بقلم الباحث: سلام ستار خضير
تُعد ولادة الامام علي (عليه السلام) في جوف الكعبة واحده من فضائلهِ الكثيرة؛ تلك الفضيلة التي لا يشاركهُ فيها اخر؛ ولكن لاحظنا ان هناك نسج من الرواة لرواية اخرى، تشير الى ان من ولد في الكعبة هو شخص اخر يُدعى حكيم بن حزام وعملوا على ابعاد تلك الفضيلة عن شخص الامام علي (عليه السلام) فذكر الزبير بن بكار([1]) ذلك بقوله: «دخلت أمّ حكيم ابن حزام الكعبة مع نسوة من قريش، وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض([2]) في الكعبة، فأتيت بنطع حيث أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النّطع»، وتناول ابن حبان([3]) ذلك بقوله: «دخلت أمه الْكَعْبَة فمخضت فِيهِ فَولدت حَكِيم بْن حزَام فِي جَوف الْكَعْبَة»، وفي هذا الاطار نقل ابن حجر العسقلاني([4]) ذلك أذ قال: «وحكى الزبير بن بكار أن حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة»، وجعل ابن ابي الحديد([5]) ولادة امير المؤمنين في جوف الكعبة محل شك له فقال: «اختلف في مولد علي عليه السلام أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أنه ولد في الكعبة، والمحدثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام»، ومن هنا حاول البعض سحب تلك الفضيلة عن الامام علي (عليه السلام)، والحاقها بآخرين بعيدين عنها.
من جانب اخر نؤكد ان من الامور الثابتة تأريخياً هي ولادة الامام علي (عليه السلام) في جوف الكعبة، وقد تناولت المصادر التأريخية ذلك بوضوح، «قال يزيد بن قعنب: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي، قال يزيد بن قعنب : فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام)»([6])، اما الحاكم النيسابوري([7]) فقال: «تواترت الاخبار ان فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في جوف الكعبة»، وحدد المؤرخين انه الوحيد الذي ولد في جوف الكعبة، اذ لاحظنا الكنجي الشافعي([8]) ذكر ذلك بقوله: «ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكة في بيت اللّه الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللّه الحرام سواه إكراما له بذلك وإجلالا لمحله في التعظيم»، وقال ابن الصباغ([9]) في ذلك: «لم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته»، وقد ذكر الفتال النيسابوري([10])عن السيد الحميري في شعره عن ولادة الامام علي (عليه السلام) في الكعبة بقوله:
ولدته في حرم الاله أمه والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس([11]) نجومها وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لف في خرق القوابل مثله إلا ابن آمنة النبي محمد
ونقل ابن شهر اشوب([12]) ابيات شعر نُسبت الى محمد بن منصور السرخسي حول ذلك فقال:
ولدته منجبة وكان ولادها في جوف كعبة أفضل الأكنان
وسقاه ريقته النبي ويا لها من شربة تغني عن الألبان
حتى ترعرع سيدا سندا رضى أسدا شديد القلب غير جبان
عبد الاله مع النبي وانه قد كان بعد يعد في الصبيان
فلذاك زوجه الرسول بتولة وغدا وصي الانس ثم الجان
شهدت له آيات سورة هل أتى بمناقب جلت عن التبيان
امام هذه الجدلية التي أحدثها البعض، حاول بعض المؤرخين جمع الامرين معاً وان الاثنين ولدا في الكعبة لهذا نجد الديار بكري([13]) يقول: «لا مانع من ولادة كليهما فى الكعبة المشرّفة» وبنفس هذا الاتجاه ذهب علي بن إبراهيم الحلبي([14]).
لا شك ان هذه الرواية هي من صناعة الزبيريين ولاسيما ان أساسها الزبير بن بكار ومنه اخذت المصادر التأريخية ذلك، ومعروف حقد الزبيريين الكبير على اهل البيت (عليهم السلام)، ففي خلافة عبد الله بن الزبير بقي أربعين جمعة لا يصلي على النبي محمد (صلى الله عليه واله) في خطبته وعندما اعترض عليه الناس قال: «إن له أهل بيت سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا([15]) أعناقهم واشر أبوا لذكره وفرحوا بذلك فلا أحب ان أقر عينهم بذكره»([16])، ومن هنا اتضح لنا ان الغرض من صياغة هذه الرواية من الزبيريين هو اختلاق فضيلة لأبن عمهم حكيم بن حزام؛ لأن الطرفين ينتسبان الى أسد بن عبد العزى فأرادوا سلب تلك الفضيلة عن الامام علي (عليه السلام) والحاقها بأبن عمهم، الذي كان في عام فتح مكة على الشرك([17]) وكان عثمانياً متصلبا([18])، وعليه اختلق الزبيريين هكذا فضيلة لهم وحاولوا ابعادها عن الامام علي (عليه السلام)، ولكن المصادر التأريخية كما بينا أعلاه دلت بوضوح على ان الامام علي (عليه السلام) هو المولود الوحيد في جوف الكعبة وكل ما سوى ذلك هو كذب ومن صياغة الرواة دون ان يكون لذلك أي أساس تاريخي.
الهوامش:
([1])جمهرة نسب قريش وأخبارها: ١/ ٣٧٢ .
([2])المَخَاضُ: وَجَعُ الوِلادَة. ينظر: تهذيب اللغة، الازهري: 7/ 57، مادة (مخض).
([3]) الثقات: 3/ 71.
([4]) تهذيب التهذيب: ٢/ ٣٨٤.
([5]) شرح نهج البلاغة: 1/ 14.
([6])الأمالي، الصدوق: 194-195؛ روضة الواعظين، الفتال النيسابوري:76-77؛ بشائر المصطفى، ابي القاسم الطبري: 27؛ الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي: 197.
([7]) المستدرك: ٣/ ٤٨٣
([8]) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ( عليه السلام): ٤٠٧
([9]) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ١/ ١٧٢
([10]) روضة الواعظين: 81.
([11]) النَّحْسُ: الأمْرُ المُظْلِمُ، وضِدُّ السَّعْدِ. ينظر: القاموس المحيط، الفيروز ابادي: 576، مادة (نحس).
([12]) مناقب ال ابي طالب: 2/ 24.
([13]) تاريخ الخميس: 1/ 279.
([14]) ينظر: السيرة الحلبية: 1/ 202.
([15]) أتلع: طويل العنق. ينظر: الصحاح، الجوهري: 3/ 1191، مادة (تلع).
([16]) مقاتل الطالبيين، ابي الفرج الاصفهاني: 315.
([17]) ينظر: تاريخ، اليعقوبي: 2/ 58.
([18]) ينظر: تاريخ، الطبري: 3/ 438-439.