أعظم المصائب عند الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)

الملازمة بين النبي والوصي عليهما السلام

أعظم المصائب عند الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)

25K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-11-2017

                            بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد وآله الطاهرين.

أعظم المصائب عند الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)

الشيخ سجاد الربيعي .

الحديث حول وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وموقف الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي لم يشهد لها التاريخ الاسلامي مثيلا, عندما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما بلغ من العمر ثلاثا وستين سنة, نعى نفسه الطاهرة بمشهد مؤلم من أن شمس وجوده المبارك قد اقتربت من الغروب. قال تعالى : ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ))[1].

ونجد هذه المصيبة العظيمة قدك تركت أثرها الكبير في نفوس المسلمين عامة وفب أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة، وذلك شاخص في أمير المؤمنين (عليه السلام) والسيدة الزهراء (سلام الله عليها) التي ما برحت أن لحقت بأبيها. فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كلاما (قاله عند دفن سيدة النساء فاطمة صلّى الله عليها، كالمناجي به رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند قبره: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ, قَلَّ يَا رَسُولَ اللهِ، عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ. إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ. وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ [بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ. وَالْسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّع، لاَ قَال  وَلاَ سَئم  فَإنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلاَلَة، وَإِنْ أُقِمْ فَلاَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ)[2].

وهذه المصائب العظيمة توالت على أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أنه يتأسى بمصيبة فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنها أعظم المصائب عليه، فقد روى الشيخ زين الدين في كتاب مسكَّن الفؤاد عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا أصاب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها ستهون عليه)[3].

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال في مرض موته: (أيّها النّاس ايّما عبد من امّتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بعدي فإن أحدا من أمّتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي)[4].

وجاء في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قطَّ)[5].

وغير ذلك من الأخبار المروية في الباب من كتب علمائنا الأقدمين رضوان اللَّه عليهم أجمعين.

ويتضح من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) مدى ألم المصيبة في نفسه الطاهرة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أنه  جعلها موضع تعزٍّ له في فقده لمولاتنا الزهراء (سلام الله عليها) وهذه الفاجعة العظيمة الثانية بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم). فيقول : إنّ صفيّتك وان عظم بفراقها المصاب وقلّ عنها الصبر والتحمل إلَّا أنّ فراقك قد كان أعظم وأجلّ، ومصابك أشدّ وأثقل فكما صبرت في تلك الرّزيّة العظمى فلئن أصبر في هذه المصيبة كان أولى وأحرى[6].

ونجد أمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إلى انقطاع الوحي وأخبار السماء بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يكشف لنا بوضوح عمق تلك العلاقة من جميع جوانبها الفردية والاجتماعية والرسالية والجهادية والأخلاقية, التي تبرز مكونات الشخصية العظيمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). يقول (عليه السلام): وهو يلي غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجهيزه : بأبي أنت وأمي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء، ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون ولكان الداء مماطلا، والكمد محالفا، وقلا لك، ولكنه مالا يملك رده، ولا يستطاع دفعه، بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك[7].

ثم أكد  (عليه السلام ) شدة هذه العلاقة والملازمة من خلال تأثره بفراق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما بدأ (عليه السلام) يشرح حالاته معه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين وفاته وهي من اختصاصاته (عليه السلام) عبر وصيته (صلى الله عليه وآله وسلم), ويظهر شدة التأثير أعظم  كلما كانت نسبة تأثير الفراق أشد, وهو في قوله: ( فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ) أي اتّخذت لك وسادة في قبرك المعمولة فيها اللَّحد وهو كناية عن دفنه له فيها بيده.

ومن خلال هذه الملازمة والمعرفة بدأ دور جملة من الاحكام الشرعية والتعاليم الاسلامية وهو الحديث عن وصية (صلى الله عليه وآله وسلم) في تعيين الخليفة والإمام القائم , والأخبار والنصوص الواردة حول وصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مستفيضة ومتواترة, وهي رد على زعم المفترين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مات ولم يوص, هؤلاء يبتغون من ذلك أهوائهم ورغباتهم الشخصية, لا يهمهم  التشويه بسمعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمس بكرامته.

وختاما: كانت مصيب وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أوجع الفجائع على قلب أمير المؤمنين (عليه السلام) , ولولا إيمانه (عليه السلام) وصبره على المصيبة لمات حزنا في تلك المصيبة الأليمة.

فما فارق الحزن قلب علي (عليه السلام) حتى فارق الحياة, فسرعان ما أبيضت لحيته الكريمة فقيل له لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام) الخضاب زينــة ونحن قوم في مصيبة يريــد منها (عليــه السلام) وفـاة رســول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يختضب أمير المؤمنين (عليه السلام) طيلة أيام حياته لهذا السبب, لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره بخضاب خاص, فقد روى أنه سئل (عليه السلام): ما منعك من الخضاب وقد أختضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من دم رأسي, بعهد معهود أخبرني به حبيبي رسول الله.

اللهم  إنا نشكو إليك  فقد نبينا وغيبة ولينا وشدة الزمان علينا ووقوع الفتن وتظاهر الأعداء وكثرة عدونا وقلة عددنا.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها البَشِيرُ النَّذِيرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها السِّراجُ المُنِيرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها السَّفِيرُ بَيْنَ الله وَبَيْنَ خَلْقِهِ.                           

                              والحمد لله رب العالمين

 



[1] ـ سورة آل عمران : 144 .

[2] ـ نهج البلاغة , خطب الإمام علي ( ع ) : 2 /182 .

[3] ـ وسائل الشيعة ( آل البيت ) الحر العاملي: 3/ 268 .

[4] ـ المصدر نفسه .

[5] ـ  الكافي , الشيخ الكليني : 3 /220 .

[6] ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , حبيب الله الهاشمي الخوئي : 13/12 .

[7] ـ  نهج البلاغة , خطب الإمام علي ( ع ) : 2 /228 .

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2508 Seconds