من خصائص نهج البلاغة: 11- مناجاة الله

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من خصائص نهج البلاغة: 11- مناجاة الله

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-11-2021

بقلم: الدكتور علي الفتال

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.

وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص

مناجاة الله
كان عليه السلام لا ينفك يلجأ إلى الله تعالى في كثير من أيامه المضمخة بالألم. ولكن كان يضمد جراحاته بإيمانه المطلق بعدالة القضية التي حملها على كتفيه لينير بها دروب الحيارى، واشتمل اتصاله بالله جلَّ وعلا على قنوات متعددة المقاصد والأغراض، ولكنها - على تعددها - كانت كلها تنبع من نبع الإيمان النظيف والتمسك الصادق بالعقيدة، لذلك كان واثقاً من أن مناجاته ربَّ السماء والأرض إن هي إلا مناجاة تخاطرية لا تُرَدُّ. وعلى وفق تلك الثقة المطلقة بأن الله يسمعه ويستجيب لدعائه ومناجاته تعددت تلك المناجاة؛ ونحن هنا سنختار عيّنة أوأكثر لكل دعاء أومناجاة لأنها متعددة الأغراض:

دعاء الاستسقاء:
قال عليه السلام:
((اللهم إنا خرجنا إليك من تحت الأستار والأكناف، وبعد عجيج البهائم والولدان، راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك، وخائفين من عذابك ونقمتك، اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين (أي: بالجدب والقحط)، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا يا أرحم الراحمين، اللهم إنا خرجنا إليك نشكوإليك ما لا يخفى عليك حين ألجأتنا المضايق الوعرة، وأجاءتنا المقاحط المجدبة، وأعيتنا المطالب المتعسرة، وتلاحمت علينا الفتن المستصعبة.
اللهم إنا نسألك أن لا تردّنا خائبين، ولا تقلبنا واجمين، ولا تخاطبنا بذنوبنا، ولا تقاسنا بأعمالنا.
اللهم انشر علينا غيثك وبركتك، ورزقك ورحمتك، واسقنا سُقياً نافعة مُروِيةً مُعشِبة تُنبت بها ما قد فات، وتحيي بها ما قد مات، نافعة الحيا (الخصب والمطر)، كثيرة المجتنى، تُروى بها القيعان، وتسيل البطحان، وتستورق الأشجار، وترخص الأسعار إنك على ما تشاء قدير)).
دعاء عند وضع رجله في الركاب:
وعندما عزم عليه السلام على المسير إلى الشام، دعا ربه وهو يضع رجله في الركاب فقال:
((اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.
اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل، ولا يجمعها غيرك؛ لأن المستخلف لا يكون مستصحباً، والمستصحب لا يكون مستخلفاً)).
تعليم الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وبيان صفات الله وصفة النبي والدعاء له:
((اللهم داحي المدحوات، وداعم المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك، على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل، كما حُمّل فاضطلع، قائماً بأمرك، مستوفزاً في مرضاتك، غير ناكلٍ عن قدم ولا واهن في عزم، واعياً لوحيك، حافظاً لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك حتى أورى قبس القابس وأضاء الطريق للخابط، وهُديَتْ به القلوب، بعد خوضات الفِتَن والآثام، وأقام بموضحات الأعلام، ونيرات الأحكام، فهوأمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك بالحق ورسولك إلى الخلق)).

كلمات كان يدعوبها:
((اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدتُ فعُد عليّ بالمغفرة.
اللهم اغفر لي ما وأيتُ من نفسي، ولم تجد له وفاءً عندي.
اللهم اغفر لي ما تقرّبتُ به إليك بلساني، ثم خالفه قلبي.
اللهم اغفر لي مزنات الألحاظ وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان وهفوات اللسان)).

دعاء لمّا عزم لقاء القوم في صفّين:
((اللهم ربّ السقف المرفوع، والجو المكفوف، الذي جعلته مغيضاً لليل والنهار، ومجرى للشمس والقمر، ومختلفاً للنجوم السيارة؛ وجعلت سكانه سبطاً (قبيلة) من ملائكتك، لا يسأمون من عبادتك، وربّ هذه الأرض التي جعلتها قراراً للأنام، ومدرجاً للهوام والأنعام، ومما لا يُحصى مما يُرى ومما لا يُرى، وربّ الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتاداً، وللخلق اعتماداً (ملجأ)، إن أظهرتنا على عدوّنا، فجنّبنا البغي وسدّدنا للحق، وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة أين المانع للذمار، والغائر (من الغيرة) عند نزول الحقائق (النوازل) من أهل الحفاظ (الوفاء) العار‍ وراءكم والجنة أمامكم)).

اللجوء إلى الله لإغنائه:
((اللهم صن وجهي (عن السؤال) باليسار (الغنى)، ولا تبذل جاهي (اسقاط المنـزلة) بالاقتدار (الفقر) فأسترزق طالبي رزقك، وأستعطف شرار خلقك، وأُبتلى بحمد من أعطاني، وأُفتتن بذم من منعني، وأنت من وراء ذلك كله وليُّ الإعطاء والمنع، إنك على كل شيءٍ قدير)).

اللجوء إلى الله ليهديه إلى الرشاد:
((اللهم إنك آنس الآنسين لأوليائك، وأحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك، تشاهدهم في سرائرهم، وتطَّلع عليهم في ضمائرهم، وتعلم مبلغ بصائرهم، فأسرارهم لك مكشوفة، وقلوبهم إليك ملهوفة، (مستغيثة) إن وحشتهم الغربة. آنسهم ذكرك، وإن صبّت عليهم المصائب لجؤوا الى الإستجارة بك، علماً بأن أزمّة الأمور بيدك، ومصادرها عن قضائك.
اللهم إن فههْتُ (عييتُ) عن مسألتي، أو عميت عن طلبتي، فدُلّني على مصالحي، وخذ بقلبي إلى مراشدي (مواضع الرشد) فليس ذلك بنكر (منكر) من هدايتك، ولا ببدعٍ (غريب) من كفايتك.
اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك))

عند لقائه العدو محارباً:
((اللهم إليك أفْضَتِ (انتهت) القلوب، ومُدَّت الأعناق، وشخصت الأبصار، ونُقلت الأقدام، وأنضبتِ (ضعفت) الأبدان.
اللهم قد صرَّح مكنون الشنآن (البغضاء) وجاشت (غلت) مراجل (قدور) الأضغان (الأحقاد).

اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدوِّنا وتشتت أهوائنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين)).
عندما مدحه قوم في وجهه:
اللهم إنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم.
اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون.

كان يدعو به كثيراً:
((الحمد لله الذي لم يصبح بي ميتاً ولا سقيماً، ولا مضروباً على عروقي بسوء، ولا مأخوذاً بأسواء عملي، ولا مقطوعاً دابري (نسلي)، ولا مرتداً عن ديني، ولا منكراً لربي، ولا مستوحشاً من إيماني، ولا ملتبساً (مختلطاً) عقلي، ولا معذباً بعذاب الأمم من قبلي، أصبحت عبداً مملوكاً ظالماً لنفسي، لك الحجة عليَّ ولا حجة لي، ولا أستطيع أن آخذ إلاّ ما أعطيتني، ولا أتقي إلاّ ما وقيتني.
اللهم إني أعوذ بك، أن أفتقر في غناك، وأضل في هداك، أو أُضام في سلطانك، أو أُضطهد والأمر لك
اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي وأول وديعة ترتجعها من ودائع نعمك عندي.
اللهم إنا نعوذ بك أن نذهب في قولك، أو أن نفتن عن دينك، أو تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك)). ([1]).

الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د. علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ج1، ص 300 - 305.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2645 Seconds