من الأمثال العربية في نهج البلاغة أقواله (عليه السلام) المبنية على حادثة

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من الأمثال العربية في نهج البلاغة أقواله (عليه السلام) المبنية على حادثة

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-02-2024

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..

وبعد:
كثيرٌ من أقوال الإمام علي (عليه السلام) أصبحت أمثالا لشهرتها، وتوافرت على ذكرها بعض مصادر كتب الأمثال وكتب الأدب والتاريخ([1])،  وفي هذا المبحث نبين بعضاً من أقواله التي أصبحت فيما بعد أمثالا سائرة بنيت على حوادث.

1- (ما عــدا مما بــدا)([2])
رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الزبير بن العوام حملها ابن عباس يستفيئه([3]) إلى طاعته قبل حرب الجمل.

(لا تلقينّ طلحة، فإنك إن تلقه تجده....... ولكن إلقَ الزبير، فإنه ألين عريكة، فقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا)([4]).
قال الرضي أقول: هو أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني (فما عدا مما بدا).
قال ابن عباس: فأتيت الزبير فقال: مرحباً يا ابن لبابة أزائراً جئت أم سفيراً؟ فقلت: كل ذلك، وأبلغته ما قال علي، فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: (بيننا وبينك عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة، وانفراد واحد، وأم مبرورة ومشاورة عشيرة.......)([5]).
وقول الزبير خبر ينبه بعض المؤرخين إلى ولده عبد الله برواية عبد الله بن عباس([6]).

ويذكر البلاذري([7]): حادثة وقوف علي (عليه السلام) مع الزبير بعد أن دعاه وذكر شيئاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم مرّ عليهما فقال لعلي: ما يقول ابن عمك؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم، فانصرف الزبير وقال: فإني لا أقاتلك، ورجع إلى ابنه عبد الله، فقال: مالي في هذه الحرب من بصيرة، فقال له عبد الله: لا، ولكنك جبنت على لقاء علي حين رأيت راياته فعرفت أن تحتها الموت، فقال: فإني قد حلفت أن لا أقاتله! قال: فكفر عن يمينك بعتق غلامك، فأعتقه وقام في الصف معهم وبهذا يقول همام الثقفي ([8]):
أيعـــتقُ مكحولاً ويُعصى نبيــُّـهُ                  لقد شاهَ عن قصدِ الهُدى ثمّة عوّقِ
لشتان ما بين الضلالة والهــدى                 وشتّانَ من يعصي الإلـهَ ويعُتـقِ([9])

أما ما أورده ابن قتيبة([10]) فقد روى أن علياً خرج على بغلة رسول الله الشهباء بين الصفين وهو حاسر، فقال: أين الزبير؟ فخرج إليه حتى إذا كانا بين الصفين اعتنق كل واحد منهما صاحبه وبكيا، ثم قال علي: يا أبا عبد الله ما جاء بك إلى هاهنا؟ قال: جئت أطلب دم عثمان، قال علي: تطلب دم عثمان، قتل الله من قتل عثمان، أنشدك الله يا زبير هل تعلم أنك مررت بي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متكئ على يدك وضحك إلي، ثم التفت إليك، فقال لك: يا زبير، إنك تقاتل علياً وأنت له ظالم، قال: اللهم نعم، قال علي: فعلام تقاتلني؟ قال الزبير: نسيتها والله، ولو ذكرتها ما خرجت إليك..... وانصرف إلى أصحابه.

وتذكير الإمام علي (عليه السلام) للزبير يورده الدنيوري بقوله: علي يذكر الزبير بحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فأنشدك الله يا أبا عبد الله هل تذكر يوماً مررنا أنا وأنت برسول الله، فقال لك: أما أنك تقاتله وأنت له ظالم........ فقال الزبير: نعم أنا اذكر....([11]).

ولما استذكر الزبير ذلك أخبر ولده عبد الله بقوله وقد أذكرني علي أمراً وقد كنت غفلت عنه فانصرف يا بني معي، فقال عبد الله: (والله لا أرجع أو يحكم الله بيننا) فتركه الزبير ومضى نحو البصرة ليتحمل منها ويمضي إلى الحجاز، ويقال إن طلحة لما علم بانصراف الزبير همّ أن ينصرف فعلم مروان بن الحكم ما يريده فرماه بسهم فوقع في ركبته فنزف حتى مات([12]).
وفي تاريخ خليفة (رمى طلحة بن عبيد الله بسهم، ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: (قد كفينا بعض قتلة أبيك)([13]).
وقول الإمام (عليه السلام) أصبح مثلاً وقيل بمعنى ما عداك عني مما بدا لك، معنى عاداك صرفك([14]).
ويذكر الميداني معلقاً عليه ([15]): أي ما منعك مما ظهر لك أولاً، وقال: قاله علي بن أبي طالب للزبير بن العوام يوم الجمل، يريد ما الذي صرفك عما كنت عليه من البيعة؟)([16]).

الهوامش:
([1])- ينظر: بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، 1/179.
([2])- نهج البلاغة، 1/99.
([3])- يستفيئه: أي يسترجعه، ينظر: نهج البلاغة، ضبط محمد عبده، ص99.
([4])- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 12/16، كلام (31).
([5])- الجاحظ: البيان والتبيين، 3/222.
([6])- ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 18/405.
([7])- أنساب الأشراف، 2/255.
([8])- همام الثقفي: أبو عبد الله نزيل البصرة، أسلم في وفد ثقيف فاستعمله النبي (ص) على الطائف وأقره أبو بكر وعمر سكن البصرة ومات فيها زمن معاوية سنة 50هـ وكان هو الذي منع ثقيف من الردة. ترجمته: البخاري: التاريخ الكبير 6/12؛ ابن قتيبة: المعارف، ص368؛ ابن عبد البر: الإستيعاب، 3/1035.
([9])- ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، 2/340.
([10])- الإمامة والسياسة، 1/68.
([11])- الأخبار الطوال، 1/212، الطبري: التاريخ 3/4؛ ابن الأثير: الكامل، 3/229.
([12])- الدنيوري: الأخبار الطوال، 1/212.
([13])- تاريخ خليفة، ص111؛ ومثله في اليعقوبي، 2/182 (ورماه مروان بن الحكم بسهم فصرعه وقال: لا أطلب والله بعد اليوم ثأر عثمان.
([14])- المفضل بن سلمة: الفاخر، ص301.
([15])- مجمع الأمثال، 3/305.
([16]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 199-203.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2665 Seconds