بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
إنَّ هذه الصُّورةَ الَّتي يُصوِّرُها لنا الإمام، (عليه السَّلام)، قد أفضى عليها شيئًا من عاطفتِهِ في اختياره ألفاظًا مَشحونةً بالانفعالاتِ النَّفسيَّة، وهي خروج الإنسانِ من قبرِهِ، مُسرعًا خَائفًا من هولِ ذلك اليوم إلى المحلِّ الَّذي قرَّره اللهُ (سبحانه وتعالى) لعودةِ الإنسان، وهو المحشر([1]).
ومنه أيضًا، ما استشهدَ به ابنُ منظور في بيانِ معنى(الادْهِمَام): «والدُّهْمُ ثَلَاثُ لَيَالٍ مِنَ الشَّهرِ؛ لأَنَّها دُهْمٌ. وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، (عليه السَّلام): لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِها ادْهِمامُ سَجْفِ اللَّيْلِ المُظلِمِ، الادْهِمــامُ: مَـصْـدَرُ ادْهَــمَّ، أَي: اسْوَدَّ. والادْهِيمامُ: مَصـْدَرُ ادْهـــامَّ كالاحْمرار والاحْمِيرار في احْمَرَّ واحْمارَّ»([2]).
نجدُ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةَ (ادْهِمَام)، وتعني في اللُّغةِ: السَّواد «الأَدْهَمُ: الأَسودُ، وبه دُهْمةٌ شَديدةٌ. وادْهامَّ الزَّرْعُ، إذا علاهُ السَّوادُ رِيًّا»([3])، وقد يُرادُ بالدَّهْم: الجماعة، قالَ الأزهريّ: «الدَّهْمُ: الجَمَاعَة الكَثِيرَة. وقد دَهَمُونا، أَي: جَاءُونَا بمَرَّةٍ جمَاعَة»([4])، ولكنَّ ابنَ فارس أرجعَهُ(الدَّهْم) إلى أصلٍ واحدٍ، «الدَّالُ والهَاءُ والمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى غِشْيَانِ الشَّيءِ في ظَلَامٍ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ فَيَسْتَوِي الظَّلَامُ وغَيْرُهُ، يُقَالُ: مَرَّ دَهْمٌ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ: طَائِفَةٌ»([5]).
كَلِمَتَا (ادْهِمَام، وسَوَاد)، كَلِمَتَانِ مُتَرَادِفَتَانِ، إلَّا أنَّهما يَختلفانِ عند حدودِ استعمالهما؛ لأنَّ كلَّ مُستَعْمِلٍ له انتماءٌ ينحازُ له، فكريًّا وعاطفيًّا؛ فلكلِّ مُتكلِّمٍ نزعةٌ عاطفيَّةٌ تجاه كلمةٍ من الكلماتِ، مع أنَّها تُشاركُ أو تُرادفُ كلمةً أخرى في عمومِ الموضوعِ، إلَّا أنَّ لكلِّ كلمةٍ خصوصيَّتها، فكلمةُ(ادْهِمَام) تُعطي معنى السَّواد، إلَّا أنَّها أكثرُ تأثيرًا في نَفسِ السَّامعِ من كلمةِ(سَوَاد)؛ لاشتمالِها على السَّواد وشدَّته.([6])
الهوامش:
([1] ) ينظر: نهج البلاغة، تعليق(الشيرازي): 120.
([2] ) لسان العرب(دهم): 12/210.
([3] ) العين(دهم): 4/31.
([4] ) التهذيب(دهم): 6/124.
([5] ) المقاييس(دهم): 2/307.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 132-133.