بقلم: د. حسام عدنان الياسري.
الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
الحَسَك نبات له ثمرة خشنة تتعلق بأصواف الغنم، واحدته (حَسَكة)([1]). وتضرب هذهِ العشبة إلى الصفرةِ، ويكون لها شوك مدحرج لا يكاد يمشي عليه أحد إلا من كان في رجليه خف أو نعل([2]). والسعدان نبات له شوك، غير أنه غليظ مفرطح كالفلكة، ونباته يسمى الحلمة([3]). وهو من أحرار البقول، وأفضل المراعي([4]). وقد وصف اللغويون هذا النوع من النبات بأنه بقلة ذات شوك غبراء اللون حلوة، ولها إذا يبست شوكة مفلطحة كأنها درهم([5]). ويعد المرعى الذي ينبت فيه هذا البقل من أنجح المراعي عند العرب، وأفضل مراعيهم أيام الربيع، حتى أن الإبل تسمن إذا رعت فيه وتحلو ألبانها([6]). واستعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) تعبير (حَسَكِ) (السَّعْدَان) مرة واحدة في كلامه الوارد في نهج البلاغة([7]). وذلك في تعبير واحد مضافاً فيه لفظ (السَّعْدَان) إلى (حَسَكِ)؛ للدلالة على الأذى والألم الذي يصيبه من شوك هذين النبتين. يقول (عليه السلام) في سياق تبرُّئه من الظلم: ((وَاللهِ لأنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أو أُجَرَّ فِي الاغْلاَلِ([8])مُصَفَّداً ([9])، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْء مِنَ الْحُطَامِ...)) ([10])وقد وظف الإمام لفظة (حَسَكِ) (السَّعْدَان)، بإضافة (الحسك) الى(السّعدان) وهذان النبتان من البقول التي ترعاها الإبل وتسمن عليها. وتضرب مثلاً في الأذى والإيلام بسبب من احتوائها على الاشواك المؤذية التي لا يمكن أن يمشي المرء عليها إلاّ وهو ينتعل خفاً أو نعالاً كما يذكر اللغويون([11]). ويمتاز (السَّعْدَان) بشوكه المؤلم الذي لا يقل أذى عن (الحَسَك)، وبهذا تكون إضافة (الحَسَكِ) إلى (السَّعْدَان) في كلام الإمام يوحي بالمبالغة في الأذى الذي يسببه هذا النبت بما فيه من شوك يؤذي من اضطجع عليه، فيبيت مسهداً أرِقاً من شدةِ الألم. ولهذا استحب الإمام هذا النوع من الوصف، وارتضاه لنفسه بديلاً عن ظلم بعض الناس، فهان عليه أذى نفسه، ولم يهن عليه لقاء الله تبارك وتعالى ورسوله، وهو ظالم لبعض عباده، وهو ظالم لبعض العباد. فقد اتخذ (عليه السلام) من بعض لوازم الحياة البدوية، وهي النباتات المتعلقة بمراعي الإبل في سياق التبرؤ من الظلم وإيذاء الناس، مؤثراً أذى نفسه على إيذاء غيره. ويمكن أنْ نفهم دلالة أخرى من التعبير المتقدم، وذلك بجعل هذا النوع من الإضافة من باب إضافة (الجُزء إلى الكل)، فيكون (الحَسَك) هو النبت، والسعدان شوكة و إبره التي تؤلم من يطأ عليها. ويبدو أن بعض شراح النهج استحب هذه الدلالة، فصرح أنّ (السَّعْدَان) هو نبت شوكي ذو حَسَك له رؤوس محددة([12]). ومهما يكن من شيءٍ فإنَ هذا النوع من النبت يدل على الإيلام والأذى بالنسبة للإنسان، ولكنه مفيد ومغذٍّ بالنسبة للإبل والدواب، فآثر الإمام الجانب المؤلم على المفيد ليدلل على رغبته في أذى الدنيا على أذى الآخرة)([13]).
الهوامش:
([1]) ينظر: العين (حسك): 3/59، والمحكم (حسك): 3/34.
([2]) ينظر: المحكم (حسك): 3/34.
([3]) ينظر: العين (سعد): 1/323.
([4]) نفسه.
([5]) ينظر: المحكم (سعد): 1/469.
([6]) ينظر: غريب الحديث (الخطابي): 1/480، ولسان العرب (سعد): 3/15.
([7]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 110، 215.
([8]) الأَغلال الجوامع التي تجمع الأيدي إلى الأعناقِ. ينظر: لسان العرب (غلل): 11/504.
([9]) الأَصْفَاد هي القُيُود والأغلال الحديدية التي يوثق بها. ينظر: لسان العرب (صفد): 3/256.
([10]) نهج البلاغة: خ/ 224: 437.
([11]) ينظر: المحكم (حسك): 3/34.
([12]) ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/53.
([13]))لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 113-115.