بقلم: د. سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
ورد هذا اللفظ في كلام الامام (عليه السلام) مرتين ([1]) ؛ ليدلّ على المعنى المجازي، فجاء في بيانه لصفة العلماء قائلاً: « فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى، فَيُوْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى، قَد مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ»([2])، جاء لفظة (بَذْر) على زنة (فَعْل)، والصُّورة البلاغية التي رسمها الإمام هنا هي التشبيه المرشح المجرد، تشبيه المعقول بالمعقول، وهو تشبيه العلماء بالبَذْر، ووجه الشبه بينهما الإنتقاء والإلقاء فهما من خواص المسند به، والتخليص والتمحيصتجريد لأنهما من ملائمات المشبه، فأول مايعزل من البّذْر للزراعة الجيد بترك الرديء، كالعلماء في فضلهم بالقياس الى الناس، فهم خلاصة الناس ونقاوتهم([3]).
وبَذَرْتُ الشَّيءَ والحَبً بَذْرا، بمعنى نَشَرْت، يقال للنًسْل: البَذْر، يقال: هؤلاء بَذْرُ سُوءٍ. والبَذْرُ: اسم جامع لما بَذرْتَ من الحَبٍ، ورجل بذير وبَذُور: مِذياع، وقوم بُذُرٌ: مذاييع، والفعل والمصدر في القياس بَذُرَ بَذارةَ([4]).
قال ابن فارس: «الباء والذال والراء اصل واحد، وهو نَثْر الشيء وتفريقه. يقال بذرْتُ البَذْرَ بذْرا، وبذًرت المالَ أبَذًرُه تبذيرا. قال الله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۞ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾([5]).
وهو أوّل ما يخرج من الزًرع والبَقْل والنبات لايزال ذلك اسمه مادام على ورقتين، وقيل: هو ما عزل من الحبوب للزرع والزراعة، وقيل: البذْرُ جميع النبات اذا طلع من الأرض فنجم، وقيل: هو ان يتلون بلون او تعرف وجوهه، والجمع بُذور وبِذار. والبَذرُ: مصدر بَذَرْتُ، وهو على معنى قولك نثرت الحَبً([6])، والتبذير: التًفريق واصله إلقاء البَذْر وطرحه فاستعير لكل مضيع لماله، فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مأل ما يلقيه([7])، ويقال: بَذَرت الحَبً من باب قتل اذا القيته في الأرض للزراعة و(البَذْرُ) المبذور، قال بعضهم: البَذْرُ في الحبوب كالحنطة والشعير و(البَزْرُ) في الرياحين والبُقُول([8]))([9]).
الهوامش:
([1]) ظ: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 518.
([2]) نهج البلاغة: خ 214، 242.
([3]) ظ: منهاج البراعة: 14 / 106 وظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 4 / 32.
([4]) ظ: العين (مادة بذر): 8 / 82.
([5]) مقاييس اللغة: 1 / 2، علما أنَّ الآية الواردة من سورة الإسراء / 26 ـ 27.
([6]) ظ: لسان العرب (مادة بذر): 1 / 237.
([7]) ظ: المفردات في غريب القران: 1 / 5.
([8]) ظ: المصباح المنير: 40.
([9]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 274-273.