من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة/ سير الإبل وحداؤها ودعقها وتمعكها 2- تَخْبِط/ قال عليه السلام ((تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا، وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة/ سير الإبل وحداؤها ودعقها وتمعكها 2- تَخْبِط/ قال عليه السلام ((تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا، وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا))

208 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 30-04-2025

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
الخَبْطُ شدة الوطءِ بأيدي الدواب([1]). وقيل: هو ضرب البعير الشيء بخف يده([2]). أو بيديه ورجليه معاً([3]).

وقد وردت لفظة (تَخْبِط) بصيغة الفعل المضارع مرتين في نهج البلاغة، في حين استعملت اللفظة نفسها متصلة بضمير الخطاب الخاص بالجمع (تَخْبِطكُم) مرة واحدة فحسب([4])؛ للدلالة على الخبط والاضطراب الذي يصاب به الناس أيام الفتن والمحن. ومن ذلك قول أمير المؤمنين في وصف فتنة بني أمية التي يحمل رايتها أهل الضلال منهم. يقول الإمام: ((رَايَةُ ضَلاَلة قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَــا([5])... تَكِيلُكُمْ([6]) بِصَاعِهَا([7])، وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا([8]). قَائِدُهَا خَارجٌ مِنْ الْمِلَّةِ([9])...))([10]). يصف الإمام قيام الفتنة التي يقودها أهل الضلال من بني أمية الذين يحملون رايتها. وعبر الإمام عن ذلك بقيامها على قطبها، إشارة انتظام أمرها واستحكام قوتها. ثم يبين خطرها على الناس، الذين يحذرهم من طغيانها. مشيراً إلى كونها تكيل الناس كما يُكال البر وغيره عندما يراد وزنه وتقديره بالصاع. ويومئ بذلك إلى إحراز الأمويين الناس ومحاولة القضاء عليهم جميعاً. ثم استعار لهذهِ الفتنة لفظة (تَخْبكُم) مصوراً إِياها بصورة البعير الذي يضرب بخفيه الأرض بشدة. و(الخَبطْ) نوع من الضرب الذي تمتاز به الإبل على ما سواها من الدواب عندما تطأ الأرض بأخفافها. ويحتمل أن يراد باللفظة المتقدمة الدلالة على الضرب بعامة، وذلك كخبط القوم إذا ضربهم بالعصا([11]). ومنه أيضاً خبط الشجر بالعصا، إذا أريد نفض ورقها لتعلفها الإبل والدواب([12]). وبهذا تكون مفردة (تَخْبطكُم) ذات دلالة عامة غير مخصوصة بخبط الإبل. ولعل خبط الإبل أليق بالسياق؛ لارتباط (خبط الإبل) بالخوض والهدم وعدم التمييز بين شيءٍ وآخر، ولاسيما إذا كانت الإبل عشواء غير مبصرة. فضلاً عن كون خبطها مصحوب بالأذى والوطئ الشديد([13]). وقد أسهم استعمال الإمام لصيغة الفعل المضارع لهذه المفردة في تعضيد الدلالة ومنحها ضرباً من الإيحاء بما سيقع مستقبلاً؛ مناسبة لمقام التكلم الذي كان الإمام يتحدث فيه. أما استعماله (عليه السلام) مفردة (باعها)، ففيه دلالة على كثرة واتساع الأذى (الخبط)؛ كأن خابط الفتنة سيكون واسع من هذهِ الجهة لا اليد بأذاه وقهره وغلبته على الناس. وهذا التعبير أبلغ من استعمال مفردة (اليَد) في الضرب؛ لأن (الباع) أدل في الافادة على قوة الضرب([14]). هذا من جهة. ومن جهة أخرى فاستعمال المفردة المتقدمة يمنحها مزية الإيحاء بالكرام والبسطة في العطاء. وقد أشار الخليل أن (الباع) لا يستعمل إلا في الكرم؛ فلا يقال إلا كريم الباع([15]). وبهذا يكون في استعمال الإمام تعبير (تخبطكم بباعها) علامة على سعة يد قادة الفتنة في إيذاء الناس، والتضييق عليهم باسطين لذلك أيديهم خبطاً وضرباً وأذى لهم. أما إذا أريد بالقول المتقدم الدلالة على ضرب الشجر باليد لإسقاط ورقه وثماره واستعماله علفاً للدواب، فذلك ليس ببعيد عما قدمته من كون أصحاب هذهِ الفتنة وقادتها يسعون إلى استئصال المؤمنين من الناس وقطع دابرهم، ليكونوا بمنزلة الثمار التي يجتنيها الرعاة لدوابهم وبهذا ينطبق المصداق في أن بني أمية أشبه ما يكون بالإبل التي تخبط الأرض بقدميها خبطاً وضرباً وعجناً؛ ليحصلوا على ما يقتاتون عليه من الثمار. والمراد بالثمار - هنا - علية المؤمنين وقادتهم وقد استعمل الإمام (عليه السلام) المفردة المتقدمة نفسها مجردة من (كاف) الخطاب (تَخْبِط) بالدلالة المتقدمة نفسها)([16]).

الهوامش:
([1]) ينظر: العين (خبط): 4/223، ومقاييس اللغة (خبط): 2/214، ولسان العرب (خبط): 7/281.
([2]) ينظر: تهذيب اللغة (خبط): 7/113، ولسان العرب (خبط): 7/280.
([3]) ينظر: لسان العرب (خبط): 7/281.
([4]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 133.
([5]) القُطب الحديدة التي تكون وسط حجر الرحى السفلى. ينظر: لسان العرب (قطب): 1/682.
([6]) الكيل ضرب من الوزن الذي تكال به الأشياء لمعرفة مقدارها. ينظر: لسان العرب (كيل): 11/605.
([7]) الصّاع نوع من المقادير التي توزن بها الأشياء. وهو أربعة أمداد. وقيل: أربعة أمناء. ينظر:تهذيب اللغة (صوغ): 3/53.
([8]) الباع مسافة مابين الكفين إذا بسُطا. ينظر: المحكم (بوغ): 2/368.
([9]) المِلّة الشريعة. ينظر: المحكم (ملل): 10/379.
([10]) نهج البلاغة: خ/108: 197.
([11]) ينظر: لسان العرب (خبط): 7/281.
([12]) نفسه.
([13]) ينظر: لسان العرب (خبط): 7/281.
([14]) ينظر: منهاج البراعة: 7/244.
([15]) ينظر: العين (بوع): 2/264.
([16])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 126-128.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3092 Seconds