البَاحِث: سَلَام مَكّي خضَيّر الطَّائِيّ
الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على أشرف الخلق والمُرسَلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرّ الميامين، واللَّعن الدَّائم على أعدائِهم أجمعين إلى قيامِ يوم الدِّين، أمَّا بعد...
فإنَّ بعض النَّاس لديهم رغبة في تقديم النّصح لأقرانهم، لأسباب عدّة، منها: ممكن قد يكون هؤلاء النَّاس لديهم خبرة أكثر من غيرهم في الموضوع الذي يريدون أن ينصحوا فيه المقابل، ويودّون تقديم النّصح والإرشاد للمقابل رغبة منهم في إصلاح ذات البين مثلًا، أو في نيّة الأمر في المعروف والنهي عن المنكر من باب أنّه واجبُ شرعيّ، فممكن عن طريق النّصح، أن نتلافى الأخطاء التي تصدر من الآخر الذي يجهل عواقب الأمور.
فهنا يجب على المُحاوِر أو المتحدّث الذي يودّ تقديم النّصح والإرشاد للآخرين، أن يتحلَّى في الحوار مع الآخر بالأساليب الأخلاقيَّة في طريقة طرح كلامه ورأيه والنقاش في الموضوع الذي دار حوله الحديث بين الطّرفين، وأن يغلب عليه أيضًا الخلق الرَّفيع، كالتَّواضع وعدم رفع الصَّوت على الآخر، والاتزان والحكمة، ويتوَّج هذه الأساليب الحواريَّة كلّها هو: (الصّبر والحلم).
أي: فالمُتحدّث –النَّاصح- عندما يتدخّل في الإصلاح أن يُقدّم النّصح والآراء والحلول للمشاكل، وعليه أن يكون متوقعًا من المقابل ردّا غير مرضيّ له وغير منسجمٍ مع مقامه، وخارج عن النّطاق الأخلاقي، ويصبح متمسّكًا برأيه ويدافع عنه، أو لا يقبل بنصيحة الآخر ولا يأخذ بها، فهنا يأتي دور الحلم والصّبر في امتصاص غضب المقابل، فيجب على المُتحدّث أو المُحاور أن يتحلّى بالحكمة ومراعاة الأصول الأساسية للحوار مع المُخَاطَب الآخر، وأن يستوعب الحالة النّفسيَّة له، ودراسة الظروف التي أدّت به إلى تجاوز الحدود المنطقيّة في الحوار، وإدراك العواقب السّلبيّة التي تنتج لو استعمل المُتحدّث مع الآخر في هذه الحالة المتوترة أسلوبًا في الحوار مماثلًا لأسلوب المقابل، لأنها ستكون نتائج غير محمودة، لكن يجب على المُتَحدّث أن يقابله بالحلم والصّبر، والابتعاد عن مقابلته بالغضب والحدّة، وهذا ما يؤكّد عليه أمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) بقوله: (دع الحدّة وتفكّر في الحُجَّة وتحفّظ من الخطل تأمن الزَّلل)[1]، وأيضًا يؤكَّد (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) أن يكون المتحدّث ذا صدرٍ واسع يسع ويتقبّل ما يصدر من الآخر تجاهه، ولا يُعير أيّ أهمية لما يتوجه إليه من الآخر قدر الإمكان، فيقول الإمامُ عَلِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): )إذا سمعت من المكروه ما يؤذيك فتطأطأ له يخطك)[2].
وأن يفكّر ويجد حلولًا لحل المشكلة ويترفَّع عمَّا يصدر من المقابل الذي قد يكون جاهلًا للحقيقة ولا يدرك عواقب الأمور، فعند مقابلته في هذه الحالة من قبل المُتحدّث بأسلوب هادئ متزنٍ وبحلمٍ وصبر، فبهذا الأسلوب قد يُمتصّ غضبه ويراجع نفسه ويكتشف أنّه على خطأ، وقد يتبيّن هذا لمن تمعَّن بقول أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (إذا حلمت عن الجاهل فقد أوسعته جواباً)[3].
فممكن أن نقول إذا قوبل الآخر بكلامٍ طيّبٍ بليغٍ حَسِنٍ جميلٍ، فإن هذا قد تنعكس عواقبه عليه بصورةٍ إيجابيَّةٍ وقد ينتج عن ذلك تهدئة الحالة النّفسية للآخر ويشعر بخطئه ويغير رأيه اتجاه النّصيحة التي قُدِّمت له، وهذا ما دلّ عليه كلام أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) إذ إنَّه قال: (اجملوا في الخطاب تسمعوا جميل الجواب)[4].
الهوامش:
[1] موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، الشيخ هادي النجفي: 3/66.
[2] ميزان الحكمة، محمَّد الرّيشهري: 2/1362.
[3] عيون الحكم والمواعظ، علي بن مُحَمَّد الليثي الواسطي: 136.
[4] مستدرك نهج البلاغة، الشَّيخ هادي كاشف الغطاء: 180.