بقلم: د. قاسم خلف السكيني.
الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
قال عليه السلام: إذا أقبلَتِ الدُّنيا عَلَىَ أحَدٍ، أعارتْهُ مَحَاسِنَ غَيرِه، وإِذاْ أدبرَتْ عَنْهُ، سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ[1]
ورد في أعلام النهج: (أن الإنسان إذا غني قويت نفسه، وزكا عقله، فيحسن من الأفعال ما لم يكن يحسنه من قبل).
إن الروايات المتنازعة بين (إذا أقبلت الدنيا على أحد … أقبلت على عبد، … على رجل،.....على قوم...) يترجح عندي رواية (أحد). لأن (الرجل) فيه تخصيص جنس الرجل دون المرأة، والإمام يريد عامة الناس، ذكوراً، وإناثاً. و (العبد) فيه تخصيص درجة وهي العبودية، و (العبد) كما أفهمه من سياق نهج البلاغة، هو المؤمن، فإذا كان العبد هو المؤمن، فإن إقبال الدنيا لا يتم له، وليس من شأنه تمنيها. ويفهم من جملة (أعارته) استرداد المعار كالمال والعيال، وتغير الحال يوماً ما، في حين لا يفهم من جملة (كسته) هذا التغير. وإن الرواية بالجمع (إذا أقبلت الدنيا على قوم) مردودة لأسباب عدة منها: أنه لم يطرد إقبال الدنيا على قوم، أو عشيرة، أو عصبة بكاملها. في حين أقبل الزمان على الكثير من الأفراد، فرفعهم إلى مصاف الملوك، بعد أن كانوا عبيدا. كما أن أسلوب الخطاب المروي عن الإمام عليه السلام، موجه للمفرد، وقل أن يرد بالجمع، ومع أن رواة الجمع قليلون، فقد فسروا الحكمة بالمفرد، وقال ابن أبي الحديد في شرحه على هذه الحكمة: (كان الرشيد أيام كان حسن الرأي في جعفر بن يحيى، يحلف بالله أن جعفراً أفصح من قس بن ساعدة، وأشجع من عامر بن الطفيل، وأكتب من عبد الحميد، وأشوس من عمر بن الخطاب، وأحسن من مصعب بن الزبير. وكان جعفر ليس بحسن الصورة، وكان طويل الوجه جداً، وأنصح له من الحجاج لعبد الملك، وأسمع من عبد الله بن جعفر، وأعف من يوسف بن يعقوب. فلما تغير رأيه فيه، أنكر محاسنه الحقيقية التي لا يختلف اثنان أنها فيه، نحو كياسته، وسماحته)[2].
الهوامش:
[1] رويت في العيون ص 131: (على عبد)، ومثله في شرح الغرر 3 / 171، وفي الدستور ص 25: (على رجل)، وفي شرح ابن أبي الحديد 18/105: (... على قوم... )، ورويت الحكمة بلفظ المتن في: الحدائق 20/605، والمنهاج 3/264، والمعارج ص 401، وأعلام النهج ص 292، والترجمة 2/ 419، وشرح البحراني 5/243، والمصباح ص 579.
[2] لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص35-36.