بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
يتضح من خلال استعراض كلمات الإمام عليه السلام واستفهام معانيها واستجلاء مقاصدها أنها نابعة من قلب عطوف مشفق يحب الناس ويسعهم ويود لهم ما يوده كل لنفسه ولكنه يتحرك بعيداً عن الانانيات الطبيعية المتحكمة في الإنسان فالإمام عليه السلام يتعامل معاملة الوالد، المعلم، المربي، القائد، المحاسب، المسؤول، الذي ينطلق من موقع الاهتمام المباشر بالأمر ولم يتعامل إطلاقاً كإنسان مجرد وبعيد عن هذه الأحاسيس والمشاعر النبيلة، وكانت هذه الحكمة من إحدى الأدلة على ذلك إذ قد تكرر منه كراراً ومراراً وفي مناسبات عديدة نصحه وحثه واهتمامه على أن لا ينساق الإنسان مع الأمل والحرص والركون للدنيا بل عليه أن يحاذر ويناور ويحترز فيها لأنها سرعان ما تتغير وتتحول فيبقى المتعلق بها كالواقف في جزيرة صغيرة وسط البحر الخضم المواج الضخم لا ساحل ينجيه ولا منطاد ينتشله ولا يد تخلصه مما هو فيه.
فعلى العاقل أن يحكم أمره جيداً ويفكر في عاقبة انجراره للدنيا وما يؤول إليه مصيره في الآخرة؛ فإن الدنيا وما فيها من إغراءات وإقبالات وتوجهات توقع الإنسان في حبال الأمل ببقائها – إنما هي – زائلة، ويختزن في داخلها من عوامل التبدل والتغير ما يجعل الإنسان اللبيب حائراً مبهوتاً في سرعة التحول وتبدل الولاءات، فبينا هي مقبلة على أحدٍ وإذا بها مدبرة مولية عنه.
فالإمام عليه السلام يدعو لأخذ العظة والعبرة من الموت وما بعد من قبر وأهوال وحساب ومساءلة دقيقة ومصير مجهول وحالة ترقب ورجاء للشفاعة، كل ذلك مما يجعل الإنسان من عمال الآخرة الأكفاء غير المضيعين جهودهم وأوقاتهم على شيء يعود عليه بالخسارة والندم، بل يكونون من المبغضين لكل ما ورطهم في الابتعاد عن الخط السليم، وأساس ذلك طبعا الأمل البغيض ببقاء الدنيا والعمل بما تمليه من مواقف غير متوازنة مما يحكم عليه بالفشل والخيبة.
ولا يفهم من هذا سلبية الموقف من الدنيا بل بها ما دامت مزرعة للآخرة، وما دامت فرصة لاكتساب الفضائل، واقتناص الفرص الصالحة، لإحراز المراتب العالية المتقدمة في الآخرة، وما دامت زاداً ليوم يلقى الإنسان فيها ما عمل حرفياً ومن دون ما ظلم أو تحريف. وبطيعة الحال العكس صحيح فالمقاطعة والرفض التام وكل عبارات الشجب والتأنيب لها إن كانت مصدر توريط للإنسان فهي سلاح ذو حدين يمكن كل أحد الاستفادة منه ولكن بعد استيعاب التعليمات ومعرفتها جيداً ([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 323-325.