الدنيا في كلام له (عليه السلام) كان كثيراً ما ينادي به أصحابه

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في كلام له (عليه السلام) كان كثيراً ما ينادي به أصحابه

256 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-06-2025

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ، وَالْآخِرَةَ دَارُ قَرَارٍ، فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرَّكُمْ، وَلَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ، أَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ، وَلِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ.
إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ! فَقَدِّمُوا بَعْضاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً، وَلَا تُخَلِّفُوا  كُلَّاً ( فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ)([1])

شرح الألفاظ الغريبة:
مجاز: أي ممرّ إلى الآخرة([2]).

الشرح:
حاصل الفصل التنفير عن الدنيا والترغيب في الآخرة بذكر الغاية من وجودهما فتكون الدنيا مجازاً: أي يسلك بها إلى الآخرة سلوكاً اختيارياً كسلوك عباد الله الصالحين إليه، واضطرارياً كعبور الكل إلى الآخرة بالموت، وأراد هنا الاضطراري، وهاتان القرينتان كالمقدمة لقوله: «فخذوا من ممرّكم لمقركم».

وقوله: «ولا تهتكوا ...» إلى قوله: «أسراركم»: أي لمجاهرته بالمعصية فإنه إذا كان يعلم أسراركم فهو يعلم ظواهركم أولى.
وقوله: «وأخرجوا ...» إلى قوله: «أبدانكم»: أمر لهم بالزهد في الدنيا قبل الموت، وكنى عنه بإخراج القلوب منها، يقال: خرج فلان عن كذا، وأخرج نفسه من كذا إذا أعرض عنه وتبرأ منه.
وقوله: «ففيها اختبرتم»: إشارة إلى قصد العناية الإلهية منها، وقد عرفت معنى الاختبار، «ولغيرها خلقتم»: أي لنيل السعادة في الآخرة بالذات، أو الشقاوة لمن حرمها بالعرض.
وقوله: «إنّ المرء ...» إلى قوله: «ما قدم: أي ما ترك من متاع الدنيا أو ما قدم من الأعمال الصالحة، وإنما قرن ذكر الناس وما يسألون عنه بذكر الملائكة وما يسألون عنه لينبه على شرف الأعمال المسعدة في الآخرة على متاع الدنيا لكون الأول مطلوب الملائكة وما تعتنون بالفحص عنه، وكون الثاني معنى الناس الغافلين، وفي لفظ ما ترك وما قدم لطف شبيه [تنبيه خل] على أن متاع الدنيا مفارق متروك والأعمال الصالحة مقدمة باقية نافعة للمرء في معاده فينبغي أن تكون العناية بها دون المفارق المتروك.
وقوله: «لله آباؤكم»: كلمة تقولها العرب لتعظيم المخاطب بنسبته أو بنسبة أبيه إلى الله، يقال: لله أنت ولله أبوك، وقيل: اللام للعاقبة: أي إلى الله تصير آبائكم لكن بذلك يخرج الكلام عن معنى التعجب والاستعظام.
وقوله: «فقدموا بعضاً ... » إلى آخره: أي فقدموا بعضاً من متاع الدنيا كالصدقات ونحوها يكن لكم ثوابها في الآخرة كقوله (صلى الله عليه وآله): يابن آدم ليس لك من دنياك إلا ثلاث: ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، ولا تخلفوها بأسرها لغيركم فيكون عليكم وزرها([3])، وقد علمت كيفية استلزام الصدقة والزكاة ونحوها للملكات الفاضلة والثواب الأخروي، واستلزام البخل وإدخار المال للشقاوة الأخروية، وإنما خصص البعض بالتقديم لأن حرمان الورثة لا يجوز، ونهى عن تخليف الكل لأن ترك الزكاة والصدقة لا يجوز، وروي يكن لكم قرضاً ويكن عليكم كلاً وهو كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً }([4]) ولفظ القرض مستعار، ووجه الاستعارة أن القرض يستلزم في العادة الطلب من المقترض وشكره المقرضه وأداءه إليه، فأشبه ذلك تكرر أو أمر الله الطالبة للزكاة والصدقة وشكر الله للمنفقين في سبيله وجزاؤه للمتصدقين في الآخرة بأضعاف ما بذلوه وأنفس كمية وكيفية من الكل الذي لا منفعة فيه مع وجود مضرته، ولما كان حفظ المال وتخليفه بعد الموت كذلك لا جرم كان كلاً، وبالله التوفيق)([5]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة لصبحي صالح : ۳۲۰ - ۳۲۱ من كلام له رقم ٢٠٣، ونهج الشيخ العطار : ٤٢٧ -٤٢٨ من كلام له رقم ۲۰۳ ، وشرح النهج لابن ميثم ٥:٤ من كلام له رقم ١٩٤ ، ونهج محمد عبده ١: ٤٤٤.
([2]) شرح الألفاظ الغريبة : ٦٦٢.
([3]) انظر بحار الأنوار 68: 356.
([4]) البقرة: 245، الحديد: 11.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 310-313.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.6486 Seconds