بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
أن يطلب الإنسان النصيحة من أحدٍ، ويحاول أن يتعرف الآراء في أمرٍ، لا يعدُّ نقصاً في عقله، أو ضعفاً في رأيه، ولا يؤشر أي مؤشر سلبي ضده، بل يدل على فطنته وتكامله؛ من خلال تعرفه على آراء غيره، فلا ينفرد بإتخاذ القرار مالم يطلع على بقية الآراء والمقترحات، من أجل الإلمام بجوانب الموضوع، والاطلاع على ما ينفعه في توضيح الأمر، ولو كان رأياً من عامة الناس فالتجربة والخبرة، وما يثري الموضوع، ليست حكراً على أحدٍ دون غيره، فلابد من البحث عنها، لأن التفرد بالأمر دليل ضيق الأفق، وعدم النضج، - ونقصان العقل أحياناً - ؛ لأنَّ عدم التروي، والتغافل عن صوت العقل، يفوت فرصة معرفة آراء المحنكين، ذوي التجربة والخبرة.
وقد يتصور أحدٌ أن إطلاعه لغيره على شؤونه الخاصة، منقصةٌ عليه، أو إنّ إدلاء الآخر برأيه تدخلٌ وفضولٌ، فلا يقبله منه، بل قد يقابله بالجفاء والرفض؛ مما يقطع سبيل المعاونة برأي أو نصيحةٍ، فيزداد ارتجال القرارات المهمة، والتسرع في الأمور، وعندها تحدث آثار سيئة جداً؛ ولذا نبه الإمام عليه السلام في هذه الحكمة إلى ضرورة استطلاع آراء العقلاء المجربين؛ لأنه رصيد يثري تجربة الفرد، ويرفدها بمعلومات جديدة، ما كان ليتعرف عليها لولا المشاورة، وطلب إبداء الرأي، وتوجيه النصيحة، وأما إذا استقل أحدٌ، ولم يستخبر الأمر من صدور الرجال، فإنه يتورط فيما لا تحمد عقباه، وتكون النتيجة سلبية ليست لصالحه.
وهذا أمر يعم الشاب والكهل والشيخ – أحياناً – والمرأة، والعالم والجاهل، والمهني والجامعي وغيرهم من شرائح المجتمع ومكوناته؛ لأن لكل واحد من هؤلاء حاجاته المتنوعة التي لا يمكنه الإحاطة التامة بجوانبها كافة، فعليه الاستعانة بغيره، والاستفادة من آرائه ([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 355-356.