إنّ فاطمة أحد الأشباح الخمسة التي خلقها الله قبل آدم (عليهما السلام).

آل علي عليهم السلام

إنّ فاطمة أحد الأشباح الخمسة التي خلقها الله قبل آدم (عليهما السلام).

8K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-01-2022

الحلقة الأولى: ما هو المقصود بأشرف بقعة من العرش.

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

الْحَمْدُ لِلَّه وإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ والْحَدَثِ الْجَلِيلِ، وصَلّىَ اللهُ عَلَى مُحَمْدٍ وَآلهِ أَجْمَعينْ.
أما بعد:
 قد يبدو العنوان غريباً للوهلة الأولى لدى القارئ الكريم ولذا فقد احتاج إلى مزيد من البيان والتوضيح للأمور الآتية:
1ــ إنّ هذه الكلمة (الأشباح) هي نفسها بحاجة إلى بيان؛ فهو: (ما بدا لك شخصه من الخلق، يقال: شبح لنا أي مثل، وجمعه: أشباح).[1]
2 ــ إن حديث الأشباح هو من خصائص العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم اجمعين) وهو مرتبط بمرحلة ما قبل خلق آدم (عليه السلام)، وأن الملائكة كانت تسأل الله بهذه الأشباح عندما تتوجه إليه بحاجة، أما آدم (عليه السلام) فقد تعرف عليها قبل أن يدخل الجنة، أي منذ أن سرت فيه نفخة الروح.
3 ــ لاهتمام بعض المسلمين بهذا الحديث ومحاولتهم نسبه إلى غير أهله كي يضيفوا بذلك منقبة مصطنعة إلى أحد الشخصيات التي صحبت النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ
4 ــ لارتباطه بنور فاطمة (عليها السلام) وبيانه مراحل تنقل النور من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.

الحديث الأول:
عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، عطس، فألهمه الله (الحمد لله رب العالمين)([2]) فقال له ربه: يرحمك ربك؛ فلما اسجد له الملائكة تداخله العجب، فقال: يا رب خلقت خلقاً أحب إليك مني؟ فلم يجب، ثم قال في الثانية: فلم يجب، ثم قال الثالثة: فلم يجب، ثم قال الله عزّ وجلّ: نعم، ولولاهم ما خلقتك، فقال: يا رب فأرنيهم؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب، فلما رفعت، فإذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش، فقال: يا رب من هؤلاء؟ فقال:
 (يا آدم هذا محمد نبييّ: وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبييّ ووصيه، وهذه فاطمة بنت نبيّي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي ولدا نبييّ ثم قال: يا آدم هم ولدك)، ففرح بذلك، فلما اقترف الخطيئة قال: (يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي)؛ فغفر الله له بهذا([3])، فهذا الذي قال الله عزّ وجلّ:
{فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ([4]).
فلما هبط إلى الأرض صاغ خاتماً نقش عليه: (محمد رسول الله وعلي أمير المؤمنين)([5])، ويكنى آدم بأبي محمد»([6]).

الحديث الثاني:
قال الإمام الحسين بن علي ــ أمير المؤمنين ــ عليهما السلام:
إن الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش فأمر الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيماً له إنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم نورها الآفاق فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيـت وقد تواضعت لها الملائكة كلها فاستكبر وترفع فكان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين([7]).

الحديث الثالث:
قال الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين (صلوات الله عليهما) حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:
«يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال: يا رب ما هذه الأنوار؟.
قال الله عزّ وجلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.
فقال آدم: يا رب لو بينتها لي، فقال الله تعالى:
انظر يا آدم إلى ذروة العرش فنظر آدم عليه السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا.
فقال: ما هذه الأشباح يا رب؟ فقال: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي، هذا محمد وأنا الحميد المحمود، وهذا علي وأنا العلي العظيم، شققت له اسماً من اسمي، وهذه فاطمة، وأنا فاطر السماوات والأرضين، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يصيبهم ويشينهم، فشققت لها أسماً من اسمي.
هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم أعاقب وبهم أثيب فتوسل إلي بهم يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاء ك فإني آليت على نفسي قسماً حقاً لا أخيب بهم أملاً ولا أرد بهم سائلاً؛ فلذلك حين زلت الخطيئة دعا الله عزّ وجلّ بهم فتاب عليه وغفر له([8]).

الحديث الرابع:
روى ابن شاذان بإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ليلة أسري بي إلى الجليل جل جلاله أوحي إلي:
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ.
 فقلت والمؤمنون، فقال: صدقت يا محمد، من خلفت في أمتك؟.
قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب قال يا محمد إني اطّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم اطّلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى ــ يؤمن ــ بولايتكم.
يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت نعم يا رب فقال: لي: التفت عن يميـن العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن ابن علي، والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون، وفي وسطهم المهدي يضيء كأنه كوكب دري.
فقال: يا محمد هؤلاء الحجج، والقائم من عترتك؛ وعزتي وجلالي هذه الحجة الواجبة لأوليائي وهو المنتقم من أعدائي، بهم يمسك الله السماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه»([9]).
إنّ الأحاديث الصادرة عن العترة النبوية (عليهم السلام) في بيان هذه الحقيقة الخاصة بشرافة خلق أنوارهم، ومراحل تنقلها استلزمت ــ في بعض الأحيان ــ الإسهاب منا لغرض بيان عظيم شأنهم وفخامة أمرهم عند الله عزّ وجلّ؛ وذلك من خلال بيان ما نزل به الوحي من الذكر الحكيم، وما حملته السنة النبوية من أحاديث تخص هذه الحقيقة.
ولذا: فقد قمنا ببحث فقرات الأحاديث مستدلين في بيان الحقائق بكتاب الله عزّ وجلّ والحديث النبوي الشريف، كي تبدو الصورة واضحة المعالم لدى القارئ الكريم، عبر جملة من المقالات، والله ولي التوفيق[10]. وهي على النحو الآتي:

المسألة الأولى: ما هو المراد بأشرف بقاع العرش الذي ورد في الحديث الثالث؟
من البديهي أن العرش كل جزء فيه هو برتبة الشرافة، إلا أن المراد بهذه العبارة هو الجهة، إذ إن اليمين أشرف من الشمال، والأعلى أشرف من الأسفل.
وهذه سنة جعلها الله عزّ وجلّ في كثير من المواضع والأشياء التي شرفها وكرمها وفضلها كبيت الله الحرام ــ الكعبة المشرفة ــ فإن فيها من المواضع ما كان برتبة الأشرف فموضع الحجر هو أشرف، والركن اليماني أشرف من بقية الأركان، ويمين المؤمن أشرف من شماله والجنة في اليمين والنار في الشمال وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة:
{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} ([11]).
وأعلى عليين، وغيرها من المواضع التي تدل على شرافة البقعة مع وجود شرافة الكل، فشرافة الجزء من شرافة الكل.
ومن هنا: فإن البقعة التي أشار إليها الحديث بالأشرف هي قمـة العرش.
بل إن المراد هو: أشرف موضع من قمة العرش، وهي ذروته كما دل عليه الحديث فذروة كل شيء: أعلاه، وذروة السنام والرأس أشرفهما([12]).
وعليه: فقد كانت هذه الأشباح في سنام العرش ورأسه، أي: ذروته، ثم نقلها الله عزّ وجل إلى صلب آدم لما خلقه بيده ونفخ فيه من روحه.
يتبع إن شاء الله.

الهوامش:
[1] كتاب العين، الخليل لفراهيدي: ج3 ص99.
([2]) وفي رواية إن الله عزّ وجلّ قال لآدم: «يرحمك الله يا آدم لذا خلقتك» وقد أورده السيوطي في معترك الأقران: ج3، ص6؛ قصص الأنبياء للراوندي: ص47؛ نهج الحق للعلامة الحلي: ص232؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج15، ص217؛ الغدير للشيخ الأميني: ج7، ص301؛ سنن الترمذي: ج5، ص823 بلفظ
(يرحمك الله يا آدم ) ؛ البداية والنهاية لأبن كثير: ج1، ص98؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج7، ص393.
([3]) أن الله عزّوجلّ غفر لآدم الخطيئة وتاب عليه بهذا الدعاء الذي كان يدعو به وهو: «يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي» ؛ راجع في تلك: مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: ص63، حديث 89؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ج1، ص290، ط دار الأسوة وص97 وص239 ط اسلامبول وص112 و283 ط الحيدرية؛ منتخب كنز العمال للمتقي الهندي مطبوع بهامش مسند أحمد: ج1، ص419؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج1، ص60؛ الغدير للأميني: ج7، ص300؛ إحقاق الحق للتستري: ج3، ص78.
([4]) سورة البقرة: آية 37.
([5]) اليقين لابن طاووس: ص175؛ قاموس الرجال للشيخ التستري: ج9، ص458.
([6]) البحار للعلامة المجلسي : ج11، ص175، حديث 20؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج26، ص326؛ قصص الأنبياء للراوندي: ص51.
([7]) بحار الأنوار للمجلسي: ج26، ص326؛ قصص الأنبياء للجزائري: ص43؛ تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني: ج1، ص44.
([8]) بحار الأنوار للمجلسي: ج26، ص328، وج 11، ص151، ط مؤسسة الوفاء، بيروت. تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص220. تفسير الصافي للكاشاني: ج1، ص115.
([9]) البحار للمجلسي: ج27 ص199 ــ 200؛ إيضاح دفائن النواصب: ص11و12.
[10] لمزيد من الاطلاع  ينظر : موسوعة هذه فاطمة(عليها السلام) ، السيد نبيل الحسني: ج1 ص 85-91 ، ط1 دار الاعلمي بيروت-لبنان.
([11]) سورة الواقعة: الآيتان 8 و9.
([12]) لسان العرب لابن منظور: ج5 ص40، ط دار إحياء التراث العربي، وج14، ص274، ط نشر أدب الحوزة، قم.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3244 Seconds