من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((مُدِّدَ)) في قوله عليه السلام: «وغُمِّضَ ومُدِّدَ وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((مُدِّدَ)) في قوله عليه السلام: «وغُمِّضَ ومُدِّدَ وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ»

83 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-11-2024

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

مُدِّدَ

  تدلُّ مادَّة (مُدِّدَ) في اللُّغة على الجذب، والمطل، والبسط. جاء في (العين): «المَدُّ: الجذب... ومَدَّ النــَّهر، وامتدَّ الحبلُ... والمادة: كلُّ شيء يكون مدداً لغيره... والتَّمدُّد كتمدُّد السِّقاء، وكذلك كلُّ شيء يبقى فيه شبه المَدِّ، والامتداد في الطُّول، وامتدَّ بهم السَّير، أَيْ: طال» [1].

وقال ابن فارس: «الميم والدَّال أَصل واحد يدلُّ على جرِّ شيء في طول، واتِّصال شيء بشيء في استطالة» [2].
والمَدُّ: الجذب، والمَطْلُ، مَدَّهُ يَمُدُّهُ مَدّاً، ومَدَّ بهِ فامتدَّ، ومدَّدَهُ فتمدَّدَ، وتَمَدَّدْنَاهُ بيننا مَدَدْناهُ [3].
وقال الزَّبيديّ: «المدُّ: البَسْطُ. قال اللِّحياني: مدَّ اللهُ الأَرض مدّاً: بسطها وسَوَّاها. وقوله تعالى: «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» أَيْ: بُسِطَتْ وسُوِّيَتْ... المَدُّ: الجذب، ومَدَدْتُ الشَّيء مَدّاً: جذبتُه، قال ابن القطَّاع. المدُّ: المَطْلُ، وقال المصنِّف في البصائر: أَصلُ المدِّ جرُّ شيء في طول، واتِّصال شيء بشيء في استطالة، مَدَّه يَمُدُّهُ مَدّاً، مدَّ به فامتدَّ...» [4].
وورد هذا الفعل (مُدِّد) مرَّةً واحدة في الخطبة مطابقاً دلالته اللُّغوية، وهو ثاني الأَفعال الَّتي جاء بها أَمير المؤمنين في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، فبعد أَنْ يُبَاشَرَ بإغماض عينيه، يُجْذَب ويُمْطَل ويُبْسَط؛ إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَعَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».
وقد ورد في (أَحكام الاحتضار) في الرَّسائل العمليَّة للفقهاء أَنــَّه يُستحبُّ للميِّت بعد أَنْ تُغمض عيناه، ويُطبق فوه، ويُشدَّ لحياه، يُبادَر إلى أَنْ تُمدَّ يداه إلى جانبه، وساقاه [5].
وما قيل في الفعل (جذبت نفسه) يقال ــ هنا ــ مع الفعل (مُدِّدَ) في بنائه للمجهول؛ فقد بني للمجهول لأَمرين. أَحدهما: التَّركيز على الحدث، وهو استحباب مدِّ يدَي الميِّت ورجلَيه، والآخر: أَنــَّه لا يُعْلَمُ مَنْ سيقوم بذلك، ولكنــَّه حاصل لا محالة.
و(مُدِّدَ): فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى (من جذبت نفسه). وجملة (مُدِّدَ) معطوفة على جملة (غُمِّضَ).)([6]).

الهوامش:
[1]. العين: 2/113. وينظر: جمهرة اللغة: 1/35، وتهذيب اللغة: 4/443، والصحاح في اللغة: 2/162، والمحيط في اللغة: 2/340.
[2]. معجم مقاييس اللغة: 5/216.
[3]. ينظر: لسان العرب: 3/396.
[4]. تاج العروس: 1/2268و 2269.
[5]. ينظر: منهاج الصالحين (للخوئي): 72و 73، وموجز الفتاوى المستنبطة (للغروي): 91، ومنهج الصالحين (للسيد الصدر): 67، وأحكام العبادات (للمدرسي): 1333، وسبل السلام (لليعقوبي): 104.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص202-203.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2623 Seconds