مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة (27): كيف يؤثر العجب بالنفس على العلاقة مع الله فينشأ الإدلال.

مقالات وبحوث

مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة (27): كيف يؤثر العجب بالنفس على العلاقة مع الله فينشأ الإدلال.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-07-2025

بقلم: السيد نبيل الحسني.

مما ورد في العهد لمالك الأشتر، قوله (عليه الصلاة والسلام):
«وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وحُبَّ الإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ».

وقد تناولنا في المقال السابق بيان أثار العجب بالنفس وحب الإطراء عليها في تكوين شخصية الإنسان ولاسيما في مواقع الإدارة والقيادة وعمل الخير وبيّنا أن خطورة العجب بالنفس تكمن في أمرين:

الأول: أنه يرى أنّ النعمة بيده فهو الذي جاء بها، وأنّها من نفسه، وأن غيره مفتقر إليها، وعاجز عنها، فينسى عبر حبه لنفسه أنّ المنّعم هو الله تعالى، وهو الذي وهبه وأعطاه هذه النّعمة، وهو –إي الإنسان- مخول في التصرف بها، ومسؤول يوم القيامة عنها.

والأمر الثاني: أنّ العجب بالنفس وحب الإطراء يولد رذيلة أخرى، وهي الإدلال على الله تعالى، أي أنّ من الأثار التي يلحقها العجب بالنفس هو أنه لو أنضاف ،أي غلب على نفس المعجب أن له عند الله حقا، وإنه منه بمكان، واستبعد أن يجري عليه مكروه، وكان متوقعا منه سبحانه كرامة لعمله، سمي ذلك (إدلالا) بالعمل، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة، فهو وراء العجب وفوقه، إذ كل مدّل معجب، وربّ معجب لا يكون مدّلا، إذ العجب مجرد الاستعظام ونسيان الإضافة إلى الله من دون توقع جزاء على عمله، والإدلال يعتبر فيه توقع الجزاء بعمله، إذ المدل يتوقع إجابة دعوته، ويستنكر ردها بباطنه، ويتعجب منه، فالإدلال: عجب مع شيء زائد.
وعلى هذا، فمن أعطى غيره شيئا، فإن استعظمه ومنَّ عليه كان معجبا، وإن استخدمه مع ذلك أو اقترح عليه الاقتراحات، واستبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدّلا عليه»[1].

ومن ثمّ فأن العجب بالنفس وحب الإطراء عليها إذا لم يلتفت إليه الإنسان ويتخلص منه فأنه يتنامى في النفس ويتوالد منه أنواع أخرى من الرذائل كالعجب بالعمل الخاطئ والسيء وهو يراه حسنا، كما قال سبحانه:
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[2]  

وقال أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
«الْعُجْبُ دَرَجَاتٌ مِنْهَا أَنْ يُزَيَّنَ لِلْعَبْدِ سُوءُ عَمَلِه فَيَرَاه حَسَناً فَيُعْجِبَه ويَحْسَبَ أَنَّه يُحْسِنُ صُنْعاً، ومِنْهَا أَنْ يُؤْمِنَ الْعَبْدُ بِرَبِّه فَيَمُنَّ عَلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ ولِلَّه عَلَيْه فِيه الْمَنُّ[3] » [4].

ولذا وردت نصوص شريفة كثيرة في بيان أثاره وأضراره على الإنسان ولا سيما في مواقع عمل الخير والإدارة والقيادة، بل والأسرة، فلزم الحذّر منه والنهي عنه كما جاء في العهد الشريف لمالك الأشتر[5].

الهوامش:
[1] جامع السعادات، النراقي: ج1 ص242
[2] فاطر: 8
[3] الكافي، الكليني: ج2 ص313
[4] جامع السعادات، النراقي: ج1 ص242
[5] لمزيد من الإطلاع ، ينظر : فقه صناعة الإنسان ، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله) ، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق ، السيد نبيل الحسني، ص256- 257/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة ، ط 1 -  دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1265 Seconds