من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الرّحل والظّعن وأدواتها الدلالة على السَّلْب قال عليه السلام: ((الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَأنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الرّحل والظّعن وأدواتها الدلالة على السَّلْب قال عليه السلام: ((الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَأنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ))

986 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-10-2025

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:

وأُريد بذلك سلب الشيء من الإنسان، مثل نعمة العلم - مثلاُ - التي ينعمها الله تبارك وتعالى على بعض عباده، ويسلبها منهم عند عدم العمل بما يعلم. ولهذا قال أمير المؤمنين في سياق بيان الاقتران والملازمة بين (العِلْم والعَمل): ((الْعِلْمُ مَقْرُونٌ([1]) بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ([2]) بِالْعَمَلِ فَأنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ))([3]) يقصد (عليه السلام): أن (العِلْمَ) قرين (للعَمَلِ)، وأنهما كالشيءِ الواحد أحدهما متصل بصاحبه ومكمل له. ولهذا أكد الإمام أن صاحب العلم لابد من أن يعمل بعلمه. فأستعار (عليه السلام) لفظتي (يَهْتِف). و(ارْتَحَل) للدلالة على معنيين:

الأول: جعل العلم بمنزلة الكائن الحي، فأضفى عليه بعض أوصافه، وهو (الهُتَاف)، أو النداء، والدعوة إلى تلبية أمرٍ معين وهو - هنا - الأداء، وتنفيذ مضمون (العِلْم). فكأن العلم يَصيح بالعمل، ويدعوه لإتمام لوازمه، حتى يخرج العلم ويبرز إلى مجال التطبيق([4]). أما لفظة (ارْتَحَل)، اخذها الإمام من مجالها الدلالي الدال على السفر والانتقال، وتهيئة الدابة بوضع الرحل عليها لغرض الرحيل إلى سلب نعمة (العِلم)([5])من وطنٍ لا يصلح للاستيطان وذلك إشارة إلى عدم منفعة العلم بلا عمل([6]). وقد زاد الشارح ابن أبي الحديد معنى آخر افادته لفظة (ارتحل) في السياق، وهو الاشارة إلى ارتحال ثمرة العمل ونتيجته ثوابه؛ فإن الله تبارك وتعالى لا يثيب الإنسان العالم بالشرائع إذا لم يعمل بها([7]). وينطلق الشارح في رأيه هذا من أن (العِلم) المذكور في كلام الإمام مخصوص بالعلم الديني، أو بـ (العِرْفان) كما حدده ابن أبي الحديد([8]). والحال أنّ العلم الذي يثاب عليه الإنسان يشمل بقية العلوم التي لا تخالف الشريعة الإسلامية، وتتفق مع قوانينها وأحكامها، وتنسجم مع ما يريده الله تبارك وتعالى، وتخدم الإنسان والخليفة بصورة عامة، فإنها لا تخلو من ثواب الله تبارك وتعالى)([9]).

الهوامش:
([1]) قَرَنْتُ الشيء، إذا جمعته إلى شيءٍ آخر، والمقرون هو المتصل بصاحبه الملازم له. ينظر: مقاييس اللغة (قرن): 5/76، والمحكم (قرن): 6/365.
([2]) الهُنَاف الصَّوْتُ العالي، وَهَتَفَ به. أي صَاح به ودعاهُ. ينظر: لسان العرب (هتف): 9/344.
([3]) نهج البلاغة: قصا/ 366: 674.
([4]) ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 5/487.
([5]) ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 19/235.، وشرح نهج البلاغة (البحراني): 5/487.
([6]) ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 5/487.
([7]) ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي حديد): 19/235.
([8]) نفسه.
([9])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 144-146.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1109 Seconds