ولاء الصَّحابة للأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) الصَّحابِيّ معقل بن قيس الرِّياحي أنموذجًا

علي ومعاصروه

ولاء الصَّحابة للأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) الصَّحابِيّ معقل بن قيس الرِّياحي أنموذجًا

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-05-2020

هُشَام مَكّيّ خضَيّر الطَّائِيّ
الحمد لله الفرد الصَّمد، والصَّلَاة والسَّلَام على النَّبيّ مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المنتجبين الذي لا يقاس بهم من الخلق أحد، أما بعد...
ملامح من حياته الاجتماعية والسِّياسيَّة:
أ - اسمه ونسبه:

 معقل بن قيس الرّياحي التّميمي من ولد رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم[1].
ب- صفاته (رضوان الله عليه):
 كان معقل بطلًا شجاعًا ومقاتلًا أريبًا صليبًا، لا يهاب الموت من أجل نصرة الدين الإسلامي الحنيف المتمثَّل بنصره للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، ومواليًا له ومعتقدًا بإمامته (عليه السَّلَام)، وناصحًا خطيبًا بليغًا من خطباء الكوفة، وكان من أُمراء الجيش في زمن الإمام أمير المؤمنين والإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وكان رسول عمّار إلى المدينة في فتح "تُسْتَر" وقدِم إليها مع الهُرْمُزان[2].
جـ - ولائه للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام):
 كان معقل بن قيس (رضوان الله عليه) من شيعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) والمولين له ومن المقتفين لأثره (عليه السَّلَام)، ومعتقدًا به، ويروى أنَّه قال لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في حديثٍ طويل: (... يا أمير المؤمنين، والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ولا يتربص بك إلا منافق...)[3]، فهذا كلام لا يصدر إلا من شخص صلب الإيمان صادق الولاء للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام).
د- وصيّة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) له (رضوان الله عليه):
 أوصاه الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة فقال (عليه السَّلَام) له: (اتَّقِ الله الَّذِي لَا بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِه، ولَا مُنْتَهَى لَكَ دُونَه، ولَا تُقَاتِلَنَّ إِلَّا مَنْ قَاتَلَكَ، وسِرِ الْبَرْدَيْنِ وغَوِّرْ بِالنَّاسِ، ورَفِّه فِي السَّيْرِ ولَا تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ الله جَعَلَه سَكَناً وقَدَّرَه مُقَاماً لَا ظَعْناً، فَأَرِحْ فِيه بَدَنَكَ ورَوِّحْ ظَهْرَكَ، فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ، أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ الله، فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً، ولَا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ، ولَا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، ولَا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ، قَبْلَ دُعَائِهِمْ والإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ)[4].
ه- اقتدائه بنهج الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) في أخلاقيات الحرب وفنونها:
 كان الصحابي الجليل معقل بن قيس الرياحي من السَّائرين على نهج مولاه أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) والموالين والتَّابعين له والمقتدين به والمعتقدين بإمامته وولايته (عليه السَّلَام)، لا سيما حينما أنفذه الإمام (عليه السَّلَام) إلى حرب بني ناجية الذين خرجوا على الإمام (عليه السَّلَام)، فكان من المقتدين بأخلاقيات الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) الحربية والممتثلين لأوامره، فجاء عن عبد الله بن قعين أنه قال: (سار فينا معقل [بن قيس الرِّياحي]، يحرّضنا ويقول لنا: يا عباد الله، لا تبدؤوا القوم وغضّوا الأبصار، وأقلّوا الكلام، ووطّنوا أنفسكم على الطَّعن والضَّرب، وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم، إنّما تقاتلون مارقةً مرقت من الدين وعلوجاً منعوا الخراج، ولصوصًا وأكرادًا، انظروني فإذا حملت فشدّوا شدّة رجل واحد...)[5].
و- مشاهده مع الإمام (عليه السَّلَام):
 للصَّحابي معقل بن قيس الرّياحي (رضوان الله عليه) العديد من المشاهد والمواقف المشرّفة مع أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، فمنها: وجهه إلى بني ساقة فقتل منهم وسبى[6]، ومنها: دوره في معركة الجمل، فإنَّه كان قائدًا في صف الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) فتولّى قيادة رجّالة الكوفة في تلك المعركة[7].
 وأما دوره في معركة صفين التي كانت بين الحقّ المتمثل بالإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) والباطل المتمثل بمعاوية بن أبي سفيان، فهنا كان دور الصحابي معقل بن قيس الرّياحي بارزًا لا يقل أهمية عن دوره في الجمل، فغدا أميراً على تميم وضبة والرَّباب وقريش وكنانة وأسد في تلك المعركة أيضًا.
 أما عن دوره في معركة النهروان مع الخوارج: فكان على ميسرة أمير المؤمنين )عليه السَّلَام)[8]، وبعد هذه المعركة خرج هلال بن علفة من تيم الرّباب ومعه أخوه مجالد فأتى (ماسبذان) - محافظة في إيران- فوجه إليه الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) معقل بن قيس الرّياحي (رضوان الله عليه) فقتله وقتل أصحابه وهم أكثر من مائتين وكان قتلهم في جمادى الأولى سنة (38هـ)[9]، وغيرها من المشاهد والمواقف الأخرى.
وأما في معركة بني ناجيَّة: أرسل الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) معقل بن قيس الرياحي (رضوان الله عليه) لردّ تمرد بني ناجية عندما منعوا الصدقة وارتدّوا عن الإسلام ونكثوا البيعة ظلمًا وعدوانًا، فكتب أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) إلى معقل بن قيس، بعد أن اجتمع صحابة الإمام (عليه السلام) على قول واحد فقالوا: (يا أمير المؤمنين، نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس أن يتبع آثارهم ولا يزال في طلبهم حتى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الإسلام، فإنا لا نأمن أن يفسد عليك الناس فكتب له الإمام (عليه السَّلَام): ((أما بعد: فالحمد لله، على تأييد أوليائه وخذلان أعدائه جزاك الله والمسلمين خيرًا، فقد أحسنتم البلاء، وقضيتم ما عليكم، وسل عن أخي بني ناجية، فإن بلغك أنه قد استقر ببلد من بلاد المسلمين فسر إليه حتى تقتله أو تنفيه، فإنّه لن يزال للمسلمين عدوًّا وللقاسطين وليًا ما بقي، والسَّلَام))).
فقام معقل بن قيس بقتال بني ناجية المتمردين، هو ومن تبعه وانتصر على أثرها جيش معقل بن قيس، وقُتل في هذه المعركة (الحريث بن راشد) وأسر من قومه عدد كبير، ثم نظر فيهم معقل بن قيس، فمن كان مسلمًا فخلاه وأخذ بيعته وخلى سبيل عياله، ومن كان ارتد عن الإسلام فعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وإلا القتل[10].
ومنها ايضًا: إنَّه لمّا عزم الإمام (عليه السَّلَام) على معاودة قتال معاوية (لعنه الله) بعد إخماد فتنة النّهروان، واستبان الاستعداد النّسبي الذي أبداه أهل الكوفة للقتال، فقال الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): ((أشيروا عليَّ برجل يحشر الناس من السواد ومن القرى ومن محشرهم)).
فقال سعيد بن قيس: أما والله أشير عليك بفارس العرب النَّاصح، الشَّديد على عدوّك، قال (عليه السَّلَام) له: ((من؟)) قال: معقل بن قيس الرِّياحي.
 قال (عليه السَّلَام): ((أجل))، فدعاه فسرّحه في حشر الناس من السَّواد إلى الكوفة، فذهب معقل إلى أطراف الكوفة لجمع المقاتلين لكنّه تلقّى - وهو في مهمّته- الخبر المفجِع لإصابة أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) واستشهاده (عليه السَّلَام)[11].
ي - شهادة معقل بن قيس الرّياحي (رضوان الله تعالى عليه):
 ففي سنة (٤٣هـ) خرج المُسْتَورد- أحد أقطاب الخوارج- في أيّام حكومة معاوية الغاصبة، وهو يريد الشِّيعة، فنهض مَعْقِل إلى قتاله، واستشهد (رضوان الله تعالى عليه) هذا البطل الشجاع بعد أن دَحَر جيشه وقتَله في مبارزة بينهما[12].
 فهذا ما يسعنا من البحث عن هذه الشخصية الفذة الموالية لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وأن الحمد لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وآلهِ الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين إنه سميع عليم...
الهوامش:
[1] الغارات، إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي: 2/782.
[2] يُنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: 15/92، وموسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) في الكتاب والسُّنَّة والتاريخ، محمّد الرّيشهري:12 / 308، 309.
[3] نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ المحمودي: 2/123.
[4] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): 372، تحقيق: صبحي الصَّالح.
[5] الغارات: 1/353.
[6] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: 15/92.
[7] كتاب الجمل، الشيخ المُفِيد: 172.
[8] ينظر: وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقرى: 1/117، ومكاتيب الأئِمَّة (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين)، الشيخ علي الأحمدي الميانجي: 2/46.
[9] الكامل في التأريخ، ابن الأثير: 721-722.
[10] ينظر: الغارات: 1/154-155، 359-361.
[11] ينظر: الغارات: 2/638، وموسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) في الكتاب والسُّنَّة والتاريخ: 12/311.
[12] مكاتيب الأئِمَّة (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين): 2/47.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2902 Seconds