الدنيا في كلام له (عليه السلام) لكميل بن زياد النخعيّ

مقالات وبحوث

الدنيا في كلام له (عليه السلام) لكميل بن زياد النخعيّ

122 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 30-11-2025

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
...يَا كُمَيْلُ، هَلَكَ خُزَّانُ الأَمْوَالِ وهُمْ أَحْيَاءٌ، والْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ. هَا، إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً - وأَشَارَ بِيَدِه إِلَى صَدْرِه - لَوْ أَصَبْتُ لَه حَمَلَةً! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْه، مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، ومُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَّه عَلَى عِبَادِه، وبِحُجَجِه عَلَى أَوْلِيَائِه، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ، لَا بَصِيرَةَ لَه فِي أَحْنَائِه([1]).

شرح الألفاظ الغريبة:
الحَمَلَةَ: - بالتحريك – جمع حامِل، وأصَبْتُ: بمعنى وجدت: أي لو وجدت له حاملين لأبرزته وبثثته؛ للَّقِنُ: - بفتح فكسر – من يفهم بسرعة؛ المُنْقَادُ لحاملي الحقّ: هو المنساق المُقلّد في القول والعمل، ولا بصيرة له في دقائق الحقّ وخفاياه؛ فذلك يسرع الشكّ إلى قلبه لأقل شبهة؛ في أحنائه: أي جوانبه، ومفردها حِنْو([2])

الشرح:
[العلم] من أفضليّته على المال كون خزان المال هالكين في الآخرة محكوم عليهم بذلك في الدنيا وإن صدق عليهم أنهم أحياء كما قال تعالى: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}([3]) الآية. وأمّا العلماء فباقون أبداً، وإن فقد أعيانهم من الدنيا فصورهم في القلوب مشاهدة موجودة.
وأشار بعد تقرير كمال هذه الفضيلة إلى أن في صدره منها شيئاً كثيراً، وإنّما يمنعه عن إظهاره عدم وجدان من يحمله عنه و – ها – للتنبيه، وجواب – لو – محذوف تقديره لأظهرته.
استثبت من يجده ونبه على عدم صلاحيتهم لحمل ما عنده من العلم، وأشار إلى أربعة أصناف منهم، ووجه القسمة أن غير أهل العلم من الناس إما طالبون له أو غير طالبين: والطالبون: إمّا قادرون على القيام بالحجّة، أو غير قادرين؛ وغير الطالبين له هم المشغولون بغيره عنه فاشتغالهم إمّا بالانهماك في لذّاتهم وسهولة الانقياد لشهواتهم، وإمّا بمحبّة جمع المال وادخاره.
فالأوّل هو الخبيث الموصوف برذيلة الجربزة، وأشار إليه بقوله: ((بلى أُصيب لقناً..)) إلى قوله: ((على أوليائه)).

وأشار إلى وجوه عدم صلاحيّته لحمله:
أحدها: كونه غير مأمون عليه: أي هو مظنة أن يذيعه إلى غير أهله ويضعه في غير مواضعه، والضمير في قوله: عليه، للعلم.
الثاني: كونه مستعملاً لآلة الدين وهو العلم في الدنيا واستعماله فيها كالتكسّب به، ومستظهراً بنعم الله وهي العلم على عباده كالفخر عليهم ومغالبتهم واستعمال حجّة الله وما علمه منها في مقابلة أوليائه وتلبيس الحقّ بالباطل.
وأمّا الثاني: ممّن لا يصلح لحمله فهو المقلد، وأشار إليه قوله: ((ومنقاداً..)) إلى قوله: شبهة. ومنقاداً عطف على لقناً، وأراد بالانقياد للحق الإيمان به وتسلميه على سبيل الجملة، وأشار إلى قوله غير صالح لحمله من وجهين:
أحدهما:  كونه ينقدح الشلك في قلبه لأول عارض من شبهة، وذلك لعدم العلم وثباته في نفسه بالبرهان والحجة والواضحة([4]))([5]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة لصبحي صالح: 496/ من كلام له عليه السلام رقم 147، ونهج الشيخ العطار: 660/ من كلام له عليه السلام رقم 137، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 5: 321-322/ 134، ونهج البلاغة لمحمد عبده 2:179.
([2]) شرح الألفاظ الغريبة: 717.
([3]) التوبة: 34.
([4]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 5: 324-325/ شرح كلام له عليه السلام رقم 134.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 343-345..

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1164 Seconds