الباحث محمد حمزة الخفاجي
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ اَلْأَمُوُرِ وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلاَمُ اَلظُّهُورِ وَاِمْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ اَلْبَصِيرِ فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ ...
وبعد ...
كان ولم يزل الإمام علي (عليه السلام) الأقرب إلى قلب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فهو حبيبه وصفيه وانيسه وجليسه، وإن لم يكن (عليه السلام) حاضرا معه في المعراج إلا أن صوته كان حاضراً، إذ كلم سبحانه نبيه بصوت علي (عليه السلام) وهذا ما ورد في الأخبار، فعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال: (خاطبني بلغة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فألهمني أن قلت يا رب خاطبتني أم علي فقال يا أحمد أنا شيء ليس كالأشياء ولا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فخاطبتك بلسانه كي يطمئن قلبك)[1].
فكان (عليه السلام) موضع اطمئنان النبي ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) في الحروب وفي جميع المواقف لذا خصه الله سبحانه بكرامات ومناقب يعجز الكثير عن ادراكها، فكان منها أنه خاطبه بلسان علي ابن أبي طالب (عليهما السلام) حبا به وتكريما لشخصه بصفته أحب شخص إلى النبي ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) وأقربهم إلى قلبه.
وذلك الصوت الذي سمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو خلق من خلق الله (عز وجل) كما أحدثه سبحانه لموسى وقومه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه[2].
فالله جل وعلا ليس كالأشياء فإن أراد شيء إنما يقول له كن فيكون، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه واصفاً فيه عظمة الله (عز وجل) بقوله (..لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ولَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً وأَرَاه مِنْ آيَاتِه عَظِيماً، بِلَا جَوَارِحَ ولَا أَدَوَاتٍ ولَا نُطْق ولَا لَهَوَاتٍ)[3].
فلا تحده سبحانه جهة بل هو قريب بعيد ظاهر باطن خالق الوجود إذا أراد أن يخبر بشيء (يُخْبِرُ لَا بِلِسَانٍ ولَهَوَاتٍ، ويَسْمَعُ لَا بِخُرُوقٍ وأَدَوَاتٍ يَقُولُ ولَا يَلْفِظُ، ويَحْفَظُ ولَا يَتَحَفَّظُ ويُرِيدُ ولَا يُضْمِرُ، يُحِبُّ ويَرْضَى مِنْ غَيْرِ رِقَّةٍ، ويُبْغِضُ ويَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَه كُنْ فَيَكُونُ، لَا بِصَوْتٍ يَقْرَعُ ولَا بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ، وإِنَّمَا كَلَامُه سُبْحَانَه فِعْلٌ مِنْه أَنْشَأَه ومَثَّلَه..)[4].
ونقول في ختام مقالتنا: مهما تكن الظروف ومهما بعد المكان بين النبي والوصي (صلوات الله وسلامه عليهم) نجد أن التلازم حاصل بينهما في كل الحالات إذ هو أمر سماوي، وكل ذلك يعود إلى تشابه هذه النفوس لذا جمعهم الله في دار الدنيا وسيحشرهم معا في دار الآخرة.
فنسأل الله بمحمد وعلي حسن العاقبة والتوفيق في كلا الدارين.
الهوامش:
[1] - المناقب، للخوارزمي: 78، الطرائف لابن طاووس: 155، إرشاد القلوب: 2 / 234.
[2] - راجع كتاب التوحيد للصدوق: 121، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 178.
[3] - نهج البلاغة: الخطبة 182 / ص 262.
[4] - نهج البلاغة: الخطبة 186 / ص 274.