بقلم: د. حسام عدنان الياسري.
الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
أولاً: الدلالة على الرَّحْلِ الذي يوضع على الإبل:
وردت هذه الدلالة في قول أمير المؤمنين الذي يتحدث فيه (الفِتَن)، وذلك في قوله: ((فِتَنٌ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لاَ تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً: يَحْفِزُهَا([1]) قَائِدُهَا، وَيَجْهَدُهَا([2]) رَاكِبُهَا...))([3]). ويشبّه الإمام (الفِتَن) بالناقة التي تجهّز معدة للسفر، فيهيئ أَصحابها زمامها ورحالها. وَرِحَالُ الناّقَةِ ورحلها مرْكبها، وهو أَصغر من (القتب). ويوضع على الإبل للركوب عليها([4]) ويخصص لركوب النساء على البعير([5]). وجعله بعض اللغويين من مراكب الرجال دون النساء معاً([6]). ويشتمل (الرَّحْل) الذي يوضع على الإبل على عدة أجزاء، منها (الرَّبَض)، وهي الحبال التي يشدّ بها الرَّحْل([7]). والحِلْس، وهو الكساء الذي يوضع على ظهر البعير تحت الرحل([8])، وهذه هي أجزاء الرَّحْلُ([9]). أو (الكُوْر) كما أسماه بعض اللغويين([10]). وبالرجوع إلى نص كلام الإمام نجده قد استعمل منه لفظة (مَزْمُوْمة، ومَرْحُوْلة) اشارة إلى الفتن - كما قلنا - والتي شبهها بالناقة أو الإبل التي أُعدت للرحيل([11])، فجهز زمامها وهو ما يشد في أنف البعير والناقة من حبل يجعل في خشبة توضع في أنفهما ليقادا به([12]). وبعد ذلك يهيأ الرحل ليوضع على ظهر الدابة، وتشد أَرباضه إيذاناً بالارتقاء عليه للرحيل. أقول: وساق الإمام المفردتين المتقدمتين بصيغة اسم المفعول؛ للدلالة على من هيأه لهذهِ الفتن، ووفرة أسبابها، ليرتقيها قائد يحثها على الانتشار والبث في أرجاء الأرض لتعم أكبر قدر من الناس. وربما كان لفظ (القائد) رمزاً للدلالة على الأعوان الذين يساعدون في تأجيج الفتنة وتأليبها([13]).وقد استعار الإمام (عليه السلام) مفردات (الزمام، والرَّحل) من الأدوات الخاصة بالإبل، ليكنى بها عن تمام الإعداد للفتنة و التعبئة لها. مثلما تهيأُ الناقة للركوب([14]). واختار الدكتور إبراهيم السامرائي أن تكون مفردة (مَرْحُوْلَة) في كلامه (عليه السلام) دالة على تمام آلة الراكب على فرسه من السرج واللجام وغير ذلك([15])، كأنه يجعل من المشبه به (فرساً) وليس (ناقَةً)، فإنه جعل - برأيه هذا - الزمام، والرحل من لوازم (الخَيْل)، وليست من لوازم الإبل. مخالفاً بذلك اللغويين الذين جعلوا (الرَّحْل) خاصاً بالبعير، ثم جعلوه بمنزلة السرج للفرس([16]).
وقد استدرك الدكتور ابراهيم السامرائي ما وقع فيه من وهمٍ، فعاد في موضعٍ آخر من كلامه ليقول إن الرحل ((هو آلة النَّاقَة تُوْضَعُ عليها في السَّفر))([17]). وقد استعمل الإمام ألفاظ (أرْحَل)، و (رَحَلْتُ) و (تَرَحَّلُوا) و (الرِّحال) و (رِحَالهم) و (رِحَالها) و (رَوَاحِلها)، في المواضع الآتية: (خ/64، 91، 93، 192 ([18])، 223، ك/29، قصا /466).)([19]).
الهوامش:
([1]) الحَفْزُ حَثُّ الشيءِ وإعجاله من خَلْفِه سَوقاً وغير سَوْقٍ. ينظر: لسان العرب (حفز): 5/337.
([2]) الجَهْدُ الغاية، وأجْهَدَهُ المرض والتعب أهزله. ينظر: لسان العرب (جهد): 3/133.
([3]) نهج البلاغة: خ/102: 185.
([4]) ينظر: مفردات الفاظ القرآن (رحل): 347.
([5]) ينظر: العين (رحل): 7/207.
([6]) ينظر: تاج العروس (رحل): 29/54.
([7]) ينظر: لسان العرب (ربض): 7/151.
([8]) نفسه: (حلس): 6/54.
([9]) ينظر: تاج العروس (رحل): 29/54.
([10]) ينظر: النهاية في غريب الحديث: 2/209، وتاج العروس (رحل): 29/55.
([11]) ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 7/81.
([12]) ينظر: لسان العرب (زمم): 12/272.
([13]) ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 3/494.
([14]) نفسه.
([15]) ينظر: مع نهج البلاغة: 174.
([16]) نفسه.
([17]) نفسه: 175.
([18]) عَرَجَ بالمكان، إذا أقام فيه، والتعرج على الشيءِ الاقامة عليه. ينظر: لسان العرب (عرج): 2/21.
([19])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 138-141.