الأخلاق من نهج البلاغة: 3. شهود الأعمال

سلسلة قصار الحكم

الأخلاق من نهج البلاغة: 3. شهود الأعمال

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 02-10-2021

بقلم: الشيخ محسن علي المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
أما بعد:
قال عليه السلام:
«اعْلَمُوا، عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ، وَحُفَّاظَ صِدْق يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ، لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْل دَاج، وَلاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُورِتَاج»[1].
«فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ، وَنَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ، وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ، إِن أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ، وَإِن أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ، قَدْ وَكَّلَ بِذلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً، لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً، وَلاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً»[2].
الله -عمّت قدرته- بيده أزمة الأمور، ومحيط بكل شيء، ولا يغيب عنه دقيق، ولا تخفى عليه خافية، وكفى به عالمًا وحاسباً.
ولكنه -جلّت حكمته- أقام على من هم في قبضته ونواصيهم بيده وتصرفهم برعايته شهودًا ورقباء وكتابًا وحسّاباً من ذواتهم أنفسهم ومن غيرهم والكل يرصد ويدّون ويسجل ما يقف عليه لا فرق لديه بين سر وعلن فلا أبواب ولا حجّاب، ولا غلط ولا شطط ولا إهمال ولا إغفال ولا محاباة ولا إجحاف بل هو الحق والصدق وعين الواقع.
ويتمثل في إقامة أولئكم الرصد -وهم ذوو عدد- أمران جليلان:
القدرة الجامعة، والحكمة البالغة.
فسبحان الخالق القادر الذي أبدع ما خلق وأودع فيه ما أراد فخلق من عالم آخر موكلًا بخلق ٍ آخر يحصى عليه ما يقول وما يفعل بل وما أسر وأخفى لا يصده عن ذلك حاجز ولا يقف دونه مانع.
كما أقام على الإنسان رصدًا من نفسه فإذا بكل شؤونه تشهد عليه بحق وتنطق بصدق، ولئن كانت تلكم الجوارح مختارة فيما تفعل وتترك فهي الآن مسلوبة الاختيار تفصح إضطرارًا وتعلن جهارًا إجابة لمن خلقها وأقدرها على رصد الأعمال وحفظها والإدلاء بها.
وإنها لحكمة بالغة كما هي حجة دامغة حيث يعمق في فكر الإنسان ووجدانه أن الله بارئه والمحيط بشأنه كله قد وظـّف ملائكته بل أقام الإنسان على نفسه عيناً ناظرة وأذاناً سامعة وقوة محيطة نافذة فذلك أدعى لكبح الجماح وحفظ الانضباط ودوام الاستقامة.
كما أنها -ويا للخجل- تظهر مدى حمق الإنسان، وعنف تمرده، وشدة انفلاته، وبالغ تنكّره للمعروف، وجحده للنعم، وقبيح إساءته لجميل الإحسان.
قال الله العظيم:
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾[3].
﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾[4].
﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾[5].
﴿وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[6].
﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾[7].
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[8].
﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾[9].
﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[10].
﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[11].[12].

الهوامش:
[1] خ 157 /222.
[2] خ 183 /266.
[3] سورة الحاقة /18.
[4] سورة غافر /16.
[5] سورة الزخرف /80.
[6] سورة الأنبياء /47.
[7] سورة الانفطار /10-12.
[8] سورة ق /16-18.
[9] سورة فصلت /19-22.
[10] سورة النور /24.
[11] سورة يس /65.
[12] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 44-47.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.5004 Seconds