الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام قوله عليه السلام ((وانْقَادَتْ لَه الدُّنْيَا والآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا...))

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام قوله عليه السلام ((وانْقَادَتْ لَه الدُّنْيَا والآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا...))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-07-2023

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
في خطبة له عليه السلام في عظمة الله
وانْقَادَتْ لَه الدُّنْيَا والآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا، وقَذَفَتْ إِلَيْه السَّمَاوَاتُ والأَرَضُونَ[1] مَقَالِيدَهَا، وسَجَدَتْ لَه بِالْغُدُوِّ والآصَالِ الأَشْجَارُ النَّاضِرَةُ، وقَدَحَتْ لَه مِنْ قُضْبَانِهَا النِّيرَانَ الْمُضِيئَةَ، وآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِه الثِّمَارُ الْيَانِعَةُ[2].

شرح الألفاظ الغريبة:
مقاليدها: جمع مقلاد، وهو المفتاح؛ قدحت: اشتعلت[3].
الشرح:
 هذا الفصل يشتمل على تمجيد الله سبحانه، وإظهار عظمة سلطانه، فانقياد الدنيا والآخرة له بأزمتها: دخولها ذل الإمكان والحاجبة إليه.
وقوله: ((وقَذَفَتْ إِلَيْه السَّمَاوَاتُ والأَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا)).
كقوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[4] قال ابن عباس ومقاتل:
المراد: بمفاتيح السماوات والأرض الرزق والرحمة[5].
وقال الليث: القلاد: الخزانة، ومقاليد السماوات والأرض خزائنهما[6].
وأقول: لفظ القذف مجاز في تسليمها وانقيادها بزمام الحاجة والإمكان إلى قدرته، مع جميع ما هي سبب في وجوده في هذا العالم مما هو رزق ورحمة للخلق، وكذلك لفظ المفاتيح على رأي ابن عباس استعارة للأسباب المعدة للأرزاق والرحمة، وتلك الأسباب كحركات السماوات واتصالات بعض الكواكب ببعض، وكاستعدادات الأرض للنبات وغيره.
ووجه الاستعارة: إن هذه الأسباب بإعدادها المواد الأرضية تفتح بها خزائن الجود الإلهي كما تفتح الأبواب المحسوسة بمفاتيحها وكلها مسلمة إلى حكمه وجريانها بمشيئته.
وعلى قول الليث فلفظ الخزائن استعارة في موادها واستعداداتها.
ووجه الاستعارة: إن تلك المواد والاستعدادات تكون فيها بالقوة والفعل جميع المحدثات من الأرزاق وغيرها كما تكون في خزائن ما يحتاج إليه.
وسجود الأشجار الناضرة له بالغدو والآصال: خضوعها وذلها تحت قدرته، وحاجتها إلى جوده.
ونسب قدح النيران إليها؛ لما أنها السبب المادي وإن كان القدح حقيقة في فعال السبب الفاعلي القريب، وجعل ذلك له تعالى؛ لأنه الفاعل الأول.
وقوله: ((وآتت...)) إلى آخره:
فأراد بكلماته: أوامره وأحكام قدرته المعبر عنها بقوله: ((كن))، وإطلاق الكلمات عليها استعارة وجهها نفوذ تلك الأحكام في المحكومات، كنفوذ الأوامر القولية في المأمورات.
وأراد بإتيان الثمار: دخولها طوعاً في الوجود المعبر عنه بقوله تعالى: ((فيكون))[7].
وبالله التوفيق والعصمة[8].)([9]).

الهوامش:
[1] في نهج الشيخ محمد عبده: والأرَضينَ.
[2] نهج البلاغة لصبحي صالح: 191/ خطبة رقم 123، وفي نهج البلاغة تحقيقي الشيخ العطار: 245/ خطبة رقم 133، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 152- 153/ خطبة رقم 132، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 269-270.
[3] شرح الألفاظ الغريبة: 624.
[4] الزمر: 63.
[5] مجمع البيان 8: 457.
[6] تهذيب اللغة 9: 32 (مادة: قلد).
[7] البقرة: 117، آل عمران: 47، 59، النحل: 40، مريم: 35، يس: 82، غافر: 68.
[8] شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 153-154/ شرح الخطبة رقم 132.
([9]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 139-140.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2873 Seconds