الأخلاق من نهج البلاغة: أبناء الدنيا والآخرة

سلسلة قصار الحكم

الأخلاق من نهج البلاغة: أبناء الدنيا والآخرة

424 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-01-2024

بقلم: الشيخ محسن المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))

وبعد:
فقد أفاض إمام الأمة وربانيها وهاديها -صلوات الله على روحه الطيبة- المقال في كافة شؤون المعاد وإعداد العبد للقاء الرب فأخذ في إثارة كل ما يحقق الغاية ويهدي السبيل من التبصير بالدنيا واغتنام الفرصة واستثمار العمر العزيز والفرصة المتاحة بالتماس ما يقرب العبد بمولاه في دنياه وأخراه.

وهديه -كما أسلفت- ممتد واسع في كلمه وثنايا خطبه مما لا يسعني استيعابه لضيق مجال البحث وخطته عن ذلك:
ولكنّي آخذ بطرف منه وجامع من شذراته:
ومنها: أبناء الدنيا والآخرة:
أ- «أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا، أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ»([1]).
ب- «رَائِدٌ أَهْلَهُ وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ»([2]).
ولافت تعبيره عليه السلام: «فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ»، فما معنى ذلك والحال أن ابن آدم مخلوق الدنيا؟.
وقد فسر الشيخ مغنية ذلك بـ (أي خلق من أجلها كما قال الإمام في مكان آخر: «فما يصنع بالدنيا من خُلق للآخرة» ولا يستقيم المعنى إلا إذا فسرنا (قدم) بـ (خلق) »([3]).
أما ابن أبي الحديد المعتزلي فقد شرح ذلك: «قد قيل: إن الله تعالى خلق أرواح البشر قبل أجسادهم، والخبر في ذلك مشهور والآية أيضاً، وهي قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ويمكن أن يفسر على وجه آخر، وذلك أن الآخرة اليوم عدم محض، والإنسان قدم من العدم وإلى العدم ينقلب، فقد صح أنه قدم من الآخرة ويرجع إلى الآخرة([4]).
وما ذكره لا يخلو من تعسف وتكلف، ويبدو من ارتكازه على القول (بعدم خلق الجنة).
أما الميرزا حبيب الله الخوئي فقد رأى: «لأن الإنسان مبدؤه الحضرة الإلهية وهو سبحانه المبدء وإليه المنتهى وهو غاية مراد المريدين ومنتهى سير السايرين»([5]).
وهو الرأي الوجيه معتضداً بأن الروح من أمر الله ولها النعيم الباقي بعد فناء الجسد والنعيم الخالد في جنة الله فقد خلقت للبقاء لا للفناء فاللائق بها استكمالاً لغايتها كما بدأت نفحة ونفخة من روح الله.
وقد شرح ذلك السيد محمد تقي النقوي وذكر رأي المشائيين والإشراقيين في هيمانية النفس وروحانيتها، وقرر أن مجيء الإنسان من عالم الغيب هو مجيء نفسه وروحه لا مجيء بدنه فإنه من عالم المادة ومبدئه التراب([6]).
ج- «‏قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ وَصَارُوا إِلَى مَصَايِرِ الْغَايَاتِ لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا لَا يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَلَا يُنْقَلُونَ»([7]).)([8]).

الهوامش:
([1]) خ 42 /84.
([2]) خ 152 /215.
([3]) في ظلال نهج البلاغة 2 /389.
([4]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 /117.
([5]) منهاج البلاغة 9 /243.
([6]) مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة 11 /26-29 ملخصاً.
([7]) خ 156 /219.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 132-133.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3167 Seconds