الدنيا في كلام له (عليه السلام) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقال عليه السلام: إِنَّ فِي أيدي النَّاسِ حَقًّاً وَبَاطِلاً ...

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في كلام له (عليه السلام) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقال عليه السلام: إِنَّ فِي أيدي النَّاسِ حَقًّاً وَبَاطِلاً ...

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 03-08-2025

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
إِنَّ فِي أيدي النَّاسِ حَقًّاً وَبَاطِلاً ... إلى أن يقول (عليه السلام) في المنافقين -: وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةٌ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:

رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرُ لِلإِيمَانِ، مُتَصَنِّعُ بِالْإِسْلَامِ، لَا يَتَأَلَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) رَآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ (عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلَامُ) فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَجَعَلُوهُمْ حكَّاماً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ، فَهَذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ([1]).

شرح الألفاظ الغريبة:

يتأثم: يخاف الإثم؛ يتحرج: يخشى الوقوع في الحرج وهو الجزم ؛ لَقِفَ: تناول وأخذ عنه([2]) .

الشرح:
قد نقل عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: سيكذب عليَّ فإن كان الخبر صدقاً فلابد أن يكذّب عليه، وإن كان كذباً فقد كذب عليه.

ثم شرع في قسمة رجال الحديث وقسمهم إلى أربعة أقسام، ودلّ الحصر بقوله: ليس لهم خامس، ووجه الحصر في الأقسام الأربعة أن الناقل للحديث عنه (صلى الله عليه وآله) المتسمين بالإسلام، إما منافق أو لا، والثاني: إما أن يكون قد وهم فيه أو لا، والثاني إما أن يكون قد عرف ما يتعلق به من شرائط الرواية أو لا يكون.

فالأول: وهو المنافق ينقل كما أراد سواء كان أصل الحديث كذباً أو أن له أصلاً حرفه وزاد فيه ونقص بحسب هواه، فهو ضال مضل تعمداً وقصداً.
والثاني: يرويه كما فهم ووهم فهو ضال مضل سهواً.
والثالث: يروي ما سمع فضلاله وإضاله عرضيّ.
والرابع: يؤدّيه كما سمعه وكما هو فهو هاد مهدي فأشار (عليه السلام) إلى القسم الأول بقوله: «رجل منافق ...» إلى قوله: «فهذا أحد الأربعة».

فقوله: «متصنع بالإسلام»: أي يظهره شعاراً له.
وقوله: «لا يتأثم»: أي لا يعرف بالإثم ولزوم العقاب عليه في الآخرة فلا يحذر منه، ووجه دخول الشبهة في قبول قوله : كونه ظاهر الإسلام والصحبة للرسول (صلى الله عليه وآله)  وسماع قوله مع كون الناس لا يعلمون باطنه ونفاقه وما أخبر به الله تعالى عن المنافقين كقوله : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}([3])  وما وصفهم به كقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ }([4])  الآية دلت على وصفهم بالكذب في مطابقة عقائدهم لألسنتهم في الشهادة بأنه رسول حق ومن كان يعتقد أنه غير رسول فإنه مظنة الكذب عليه، وأئمة الضلالة بنو أمية، ودعاتهم إلى النار دعاتهم إلى اتباعهم فيما يخالف الدين، وذلك الاتباع مستلزم الدخول النار.
«والزور والبهتان»: إشارة إلى ما كانوا يتقربون به إلى بني أمية من وضع الأخبار عن الرسول الله (صلى الله عليه وآله) في فضلهم وأخذهم على ذلك الأجر من أولئك الأئمة وتوليتهم الأعمال والإمرة على الناس.

وقوله: «وإنما الناس ....» إلى قوله: «إلا من عصم»: إشارة إلى علة فعل المنافق لما يفعل فظاهر أن حب الدنيا هو الغالب على الناس من المنافقين وغيرهم لقربهم من المحسوس وجهلهم بأحوال الآخرة وما يراد بهم من هذه الحياة إلا من هدى الله فعصمه بالجذب في طريق هدايته إليه عن محبة الأمور الباطلة، وفيه إيماء إلى قلة الصالحين كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}([5])  وقوله : {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}([6])وإنما قال: ثم بقوا بعده (عليه السلام).
ثم حكى حالهم مع أئمة الضلال وإن كانت الأئمة المشار إليهم لم يوجدوا بعد إما تنزيلاً لما لابد منه من ذلك المعلوم له منزلة الواقع أو إشارة إلى من بقي منهم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) وتقرب إلى معاوية لأنه بإذن ذاك إمام ضلالة، وأشار إلى القسم الثاني بقوله: ورجل سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً لم يحفظه، إلى قوله: لرفضه، وذلك أن يسمع من الرسول (صلى الله عليه وآله) كلاماً فيتصوّر منه معنى غير ما يريده الرسول. ثم لا يحفظ اللفظ بعينه فيورده بعبارته الدالة على ما تصوّره من المعنى فلا يكون قد حفظه وتصوّره على وجهه المقصود للرسول فوهم فيه ولم يتعمد كذباً لوهمه فهو في يديه يرويه ويعمل به على وفق ما تصوّر منه ويسنده إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، وعلة دخول الشبهة على المسلمين فيه هي عدم علمهم بوهمه، وعلة دخولها عليه في الرواية والعمل هو وهمه حين السماع حتى لو علم ذلك لترك روايته والعمل به.
وأشار إلى القسم الثالث بقوله: «ورجل سمع ...» إلى قوله : «لرفضه» وعلة دخول الشبهة على الراوي وعلى المسلمين واحدة وهو عدم علمهم بأنه منسوخ([7]) )([8]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة لصبحي صالح: ٣٢٥ - ٣٢٦ / من كلام له رقم ٢١٠، ونهج الشيخ العطار: ٤٣٤ – 435/ ومن كلام له رقم 210، وشرح نهج ابن ميثم 4: 19-20/ ومن كلام له رقم 201، ونهج الشيخ محمد عبده 1: 450.
([2]) شرح الألفاظ الغريبة: 662.
([3]) النساء: ١٤٥.
([4]) المنافقون: ١.
([5]) سورة ص: ٢٤.
([6]) سبأ: ١٣.
([7]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٤ : ۲۲ - ۲۳ / شرح كلام له رقم ۲۰۱.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 320-324.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.0812 Seconds