الباحث: علي فاضل الخزاعي
الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَيْسَ لِقَضَائِه دَافِعٌ، ولا لِعَطَائِه مَانِعٌ، ولا كَصُنْعِه صُنْعُ صَانِعٍ، وهُوَ الْجَوَادُ الْوَاسِعُ، فَطَرَ أَجْنَاسَ الْبَدَائِعِ، وأَتْقَنَ بِحِكْمَتِه الصَّنَائِعَ، لا تَخْفَى عَلَيْه الطَّلائِعُ، ولا تَضِيعُ عِنْدَه الْوَدَائِعُ، لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، والصلاة والسلام على أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أما بعد...
ففي القرآن الكريم آيات مباركة لو يتأمل بها المتأملون، ويلتفت إلى ملامحها الواعون، تأملنا قليلا لشاهدوا أنها تدل في معناها على فضل أهل البيت (عليهم السلام) وعظمتهم وهي كثيرة.
وذكر الله (سبحانه وتعالى) كثيرًا من أنباء الغيب؛ (فالأنبياء والأولياء والمؤمنون كلهم يعلمون الغيب بنص من الكتاب العزيز، ولكل منهم جزء مقسوم، غير أن علم هؤلاء كلهم بلغ ما بلغ محدود لا محالة كمّا، وكيفا، وعارض ليس بذاتي، ومسبوق بعدمه ليس بأزلي، وله بدء ونهاية ليس بسرمدي، ومأخوذ من الله سبحانه وتعالى: ((وعِنْدَه مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ[1]))، والنبي ووارث علمه في امته يحتاجون في العمل والسير على طبق علمهم بالغيب من البلايا، والمنايا، والقضايا، واعلامهم الناس بشيء من ذلك، إلى امر المولى سبحانه ورخصته)[2].
وقد لفت انتباهي موضوع الحروف المقطعة في بداية سورة مريم وما لها من استدلال غيبي على بيان عظمة مصيبة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وما تدل فيها معاني هذه الحروف على غيبيات لابد من بيانها لأنها مجهولة عند أغلب الناس، وهذا ما وضحه لنا أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير كلمات القرآن الكريم وما لها من ارتباط بمصاب أبي عبد الله (عليه السلام) فمن جملة الروايات ما ورد عن سعد بن عبد الله، قال: (سألت القائم عليه السلام عن تأويل (كهيعص) قال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وذلك أن زكريا سأل الله ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة، فقال عليه السلام ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته، فقال: (كهيعص)، فالكاف اسم كربلا، والهاء هلاك العترة [الطاهرة]، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطشه، والصاد صبره.
فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟ ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقرُّ به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم أفجعني به كما تفجع محمدا صلى الله عليه وآله حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك)[3].
فهذه الآية الكريمة هي من أنباء الغيب ومن الأعجاز الإلهي في ذكرها؛ إذ إنها تبين المعنى المفصل لحادثة كربلاء وما جرى على ابن بنت رسول الله وعياله؛ فلعن الله يزيد بن معاوية وشمراً لقتله ابن بنت النبي لعنة في الدنيا والأخرة إنه سميع مجيب.
الهوامش:
[1] سورة الأنعام: الآية 59.
[2] مصادر نهج البلاغة وأسانيده، عبد الزهرة الخطيب: 1/185.
[3] العوالم للإمام الحسين عليه السلام ١٠٧-١٠٨