الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة؛ فنقلهم الموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن التنعم في ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ في ألوان الوحل والتراب، والصلاة والسلام على خير خلقه من الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الأطهار.
أما بعد...
فأوّل جريمة قتل وقعت على الأرض كان سببها صراع الإنسان مع أخيه الإنسان والسبب في ذلك إن إبليس اللعين قد قاوم مشيئة الله من خلال تكبره والتفاخر بنفسه لذلك كان الرد من رب العزة جل وعلا إنه طرد من الجنة فكان رد إبليس {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[1].
فمنذ ذلك الوقت بدأ إبليس اللعين في نشر كل فساد ومكر وكره بين الناس حتى يغويهم بملذات الدنيا فكان تمركز الوسواس في الرؤوس الكبيرة التي تسيطر على فئة معينة من الناس فجعل حب السيطرة والاستعمار هو المحور الرئيس في نشوب الحروب بين الشعوب وخاصة في المجتمعات الإسلامية مع الأخذ بالاعتبار ما جرى على الأقوام السابقة هو الباب الرئيسي الذي لابد على كل حاكم أن ينتبه له ويشغل تفكيره فيما جرى لهم.
فحين نتطرق الى أخذ العبرة من الأقوام الماضية وماذا حل بحكامهم لابد أن نكون على يقين أن غضب الله وقدرته فوق كل شيء؛ فمثلا كان فرعون يرى قدرته وعظمته تتجلى في نهر النيل ومياهه كثير البركات، لكن الطريف أن هلاك فرعون ونهايته كانت في النيل.
وكذلك النمرود كان يعتمد على جيشه العظيم، لكننا نعلم أن جيشا، لا يعتد به – من الحشرات هزمه وجنوده أجمعين.
وأيضا قوم نوح كانوا أهل زراعة وأنعام وكانوا يجدون كل خيراتهم في حبات المطر، لكن نهايتهم كانت بالمطر أيضا.
ومن هنا يتضح جليا أن حساب الله في غاية الدقة، ولو لاحظنا الطغاة العتاة في عصرنا كيف أبيدوا بأسلحتهم الحديثة والمتطورة لاتضح المعنى أكثر.
فلا ينبغي أن نعجب من أن هذه الصناعات المتقدمة التي اعتمدوا عليها في استعمار الشعوب واستثمار خيراتهم واستضعافهم لأنها ستكون سببا في نهايتهم وستؤدي إلى زوالهم[2].
وعلى هذا نرى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان سباقا ً الى اتحافنا بكلامه المعجز البليغ في الحكام وكيف يتخذهم إبليس مطايا يمتطي عليهم إذا سلكوا طريقه: ((أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وكُبَرَائِكُمْ، الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ، وأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ، وجَاحَدُوا الله عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ، مُكَابَرَةً لِقَضَائِه ومُغَالَبَةً لِآلَائِه، فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ، ودَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّقُوا الله ولَا تَكُونُوا لِنِعَمِه عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً، ولَا لِفَضْلِه عِنْدَكُمْ حُسَّاداً، ولَا تُطِيعُوا الأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ، وخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ، وهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ، اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ، وجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ، وتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ ودُخُولًا فِي عُيُونِكُمْ، ونَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِه ومَوْطِئَ قَدَمِه ومَأْخَذَ يَدِه))[3].
فالتأمل في هذا الحديث الشريف، ينطبق في مضامينه على الرؤساء الطُغاة الحاكمين، وكيف يصول بهم الشيطان على الناس!! فلا تجوز إِطاعتهم؛ والمفروض أنّ الحكومة ممّا لا محيص عنها ولا تتمّ هي إِلاّ بالإطاعة والتسليم - فلا محالة يجب اسقاط الحكومة المسرفة الفاسدة لتخلفها الحكومة العادلة الصالحة المفترض، وإِسقاطها من عرش القدرة لا يتحقق غالباً إِلاّ بالكفاح المسلح[4].
فهؤلاء الساسة والحكام الذين أخذهم إبليس مطايا أي مراكب تمطو أي تسرع في السير إلى الضلال، وإنما شبّههم بالمطايا لأنّ المطية حين تركب صارت منقادة لراكبها يسوقها حيث أراد، فهؤلاء لما أعطوا قيادهم لإبليس يقصد بهم نحو الضّلال ذللا ويسوقهم إليه جعلهم مطايا له[5].
فالأدعياء الذين اتّخذهم إبليس مطايا ضلال وجنود وتراجمة له هم عبارة عن شياطين الإنس، فينطق إبليس بلسانهم بزخرف القول وتميل إليه أفئدة الناس فتسترق بذلك عقولهم ويقترفون أي يكتسبون ما هم مكتسبون من الجرائم والآثام[6].
وقد عانت بلاد المسلمين من وجود حكام فاسدين وقيادات غير إسلامية أو منحرفة تقودها، ولابد من تصحيح هذا الوضع وتجنب حدوثه وخاصة في البلاد التي يجاهد أهلها ويعملون على إعادة بناء مجتمعهم ليكون مجتمعا إسلاميا صحيحا.
فالعذاب الإلهي الذي يجري فيه الحكام الفاسدين بفسادهم لا تقف أمامه الجبال الشاهقة، ولا البيوت المحصنة، ولا الأبدان القوية أو الأموال الوافرة، ولهذا يأتي في نهاية قصتهم {فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[7].
فنسأل الله أن يزيل هذه الغمة عن هذه الإمة، وأن يعجل لوليه الفرج والنصر. بفضله وبفضل الصلاة على محمد وآل محمد. والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] سورة ص: 82.
[2] ينظر: التفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: 6/544.
[3] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: الخطبة 192/ 289.
[4] ينظر: دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري: 1/598.
[5] ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي: 11/311.
[6] المصدر نفسه: 11/313.
[7] سورة الحجر: 84.