دولة العدل ودولة الجور من منظار أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)

مقالات وبحوث

دولة العدل ودولة الجور من منظار أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-12-2019

الباحث: عليّ عبَّاس فاضل
الحمد لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبعد...
يتطلَّع النَّاس في كل ما مكان من الأرض إلى أن يحكمهم حاكم عادل نزيه يخاف الله سبحانه في رعيته، فكيف يكون ذلك لهم؟
 فالحاكم هو فرد من النَّاس وقع عليه الاختيار ليقوم بإدارة شؤون البلاد، بغض النَّظر عن نوع الاختيار، فصلاح هذا الحاكم إنما هو منوط بصلاح الناس الذين خرج من بينهم، فهو جزء منهم، وكذلك صلاح هذا الحاكم إنما يدل على استقامة هذه الفئة التي يحكمها، يقول في ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام): (فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ. فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الأعْدَاءِ.
وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الادْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الأحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الأبْرَارُ، وَتَعِزُّ الأشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ)([1]).
فالناظر إلى هذا النص يلاحظ الترابط بين الراعي والرعية في أمور منها:
أولا: إعزاز الحق: ولا يكون ذلك إلا بأداء كل ذي حق حقه، فعلى الرعية حق عليها أن تؤديه إلى الرَّاعيّ، وكذلك العكس.
ثانيًا: إقامة مناهج الدِّين: ويكون ذلك بتطبيق الحق، فمن حقوق الرعية على الراعي أن يحفظ لهم دينهم ومعتقدهم.
ثالثًا: العدل: ويكون ذلك بإحقاق الحق، وإقامة دولة على أسس العدل التي وضعتها شريعة السماء.
رابعًا: قيام السُّنن: ويكون ذلك بتطبيق السنن على أرض الواقع، وإحيائها، وإقامة حدود الله.
خامسًا: فإذا كان ما سبق صلح الزمان وطمع الناس في بقاء هذه الدولة على حكمهم، ورُدت مكائد الأعداء ومطامعهم.
أما إذا حدث الاختلاف وغلبت الرعية الحاكم أو جار الحاكم على الرعية، اختلف الكلمة وتفرق الجمع، وبهذا تضعف الدولة، إذ يظهر الظلم والجور ويسود، ويكثر الادغال في الدين وتترك السنن، وهذا يؤدي إلى القول بالرأي والهوى، والأهواء مختلفة، فيضيع الحق ويدثر، ويقام الباطل وينتشر، وبهذا يكون ضياع الحق أمر مقبولا لا يستوحش له، وقيام الباطل أمر مرضي ومحبب، ويؤدي ذلك إلى تولي الأشرار زمام الأمور، وابتعاد الأبرار عن ذلك، فتكون نتيجة ذلك الظلم والجور والقتل والجوع وغيرها.
هذا ما حذرنا منه أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في ضرورة التَّصدّيّ للظّلم والجور، وعدم التّهاون في ذلك، لأنه أساس قيام الدولة الصالحة، ويكون ذلك بالألفة والوحدة، وأن لا تختلف فالكلمة فيضيع الحق على أهله.
وختاما: نسأل الله العلي القدير أن يمن علينا بدولة كريمة يعز بها الإسلام وأهله، ويذل بها النّفاق وأهله، إنَّه سميعٌ مُجيب.
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): 333-334، تحقيق: صبحي الصَّالح.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2684 Seconds