عمَّار حسن الخزاعي
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين..
تتنوَّع السياسات المعتمدة في حكم البلدان بحسب رؤى الحكَّام والمسؤولين فيها، وإن بدت ثباتًا في بعضٍ منها؛ إلَّا أنَّه توجد اختلافات بينهم حتَّى ولو كانوا من الحزب الواحد، وغالبًا ما تكون الاختلافات في الدُّول المنتظمة السياسة والحكم في سُلَّم الأولويات، فهناك من يرى الاقتصاد فيقدِّمه ويسعى إلى تنظيمه، وهناك من يرى وجوب تقديم المؤسسة العسكرية وتشكيلاتها فيوليها الاهتمام، وهناك من يرى التعليم وهكذا، أمَّا في الدُّول التي تشهد حراكًا سياسيًّا مستمرًّا فهذه يكون البون شاسعًا في الإدارة والسياسة بين كلِّ حاكمٍ يتقلُّد زمامها، على أنَّه لا ريب في أنَّ كلَّ حاكمٍ مهما كان انتماءه يسعى إلى توطين حكمه واستمراره قدر ما يستطيع، وغالبًا ما يسعى إلى أن يحصل على دورةٍ أُخرى يستمرُّ بها حكمه .
ومن هنا فإنَّ أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) يضع استراتيجيَّةً محكمةً لكلِّ حاكم يسعى إلى النجاح في حكمه ثمَّ ضمان استمراريته إلى مدَّةٍ أطول، وأساس هذه الاستراتيجيَّة هو اتِّخاذ العدل منهجًا في كلِّ سلوكٍ إداري وخصوصًا القرارات التي تخصُّ حقوق الشعب، ويمكن لنا أن نتلمَّس ثمار العدل فيما لو اتَّخذه الحاكم سياسة له في إدارة البلاد، وذلك بالاعتماد على الاستراتيجيَّة الإداريَّة التي خطَّها أمير المؤمنين (عليه السلام):
أولًا/ بالعدل يثبت الحكم وتستمرُّ الدَّولة:
ينصُّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على أنَّ سياسة العدل بين الرعيَّة تضمن للحاكم السير على سُنَّة الله تعالى، ثبات حكمه واستمرار دولته، وفي ذلك يقول (عليه السلام): ((في العدل الاقتداء بسُنّة الله، وثبات الدول))([1])، وقال (عليه السلام): ((اعدل تحكم))([2])، وقال (عليه السلام): ((العدل حياة الأحكام))([3])
ثانيًا/ بالعدل يصلح المجتمع وتستقيم الدَّولة:
يؤكِّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على أنَّ الحاكم لو أراد أن يُصلح مجتمعه ويضمن لدولته الاستقامة فعليه التمسُّك بمنهجيَّة العدل في سياسته للأمور، وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((العدل يصلح البرية، صلاح الرعية العدل))([4])، وقال (عليه السلام): ((بالعدل تصلح الرعية))([5]) .
ثالثًا/ بالعدل تنمو الثروة الاقتصاديَّة:
إذا أراد الحاكم أن تنمو الثروة الاقتصاديَّة لبلده فعلية أن يلتزم بالعدل، وإذا أراد الرفاهيَّة في العيش لشعبه فعليه بالعدل، وإذا أراد أن تعمَّ البركة على دولته فعليه بالعدل، وكلُّ هذا نصَّ عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في أقوالٍ كثيرةٍ منها: قوله (عليه السلام): ((بالعدل تتضاعف البركات))([6])، وقوله (عليه السلام): ((عدل السلطان خير من خصب الزمان))([7])، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: 19] ((قَالَ لَيْسَ يُحْيِيهَا بِالْقَطْرِ؛ ولَكِنْ يَبْعَثُ اللَّه رِجَالاً فَيُحْيُونَ الْعَدْلَ فَتُحْيَا الأَرْضُ لإِحْيَاءِ الْعَدْلِ، ولإِقَامَةُ الْحَدِّ لِلَّه أَنْفَعُ فِي الأَرْضِ مِنَ الْقَطْرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً))([8])
رابعًا/ العدل سياسة عمرانيَّة:
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المعنى: ((ما عمرت البلدان بمثل العدل))([9])، فالعدل أفضل وسيلة لعمارة الأرض وبنائها؛ لأنَّه يُشيع في النَّاس حبِّ البلاد التي تعطيهم حقوقهم، وحبِّ الدَّولة التي تضمن لهم العيش الكريم، وحب الحاكم الذي يسعى في خدمة مصالحهم، وهكذا يصبح المجتمع بأجمعه يدًا واحدة في عمارة أرضه وبنائها .
خامسًا/ العدل جُنَّة للحاكم وحماية للمسؤول:
انتهاج العدل في سياسة الدَّولة وتنظيم أمورها يضمن للحاكم السلامة والحماية من تحمُّل الجور، فالعدل يحمي الحاكم من المساءلة لمن يليه من الحكَّام، وكذلك يضمن له المنزلة الرفيعة عند الله تعالى، ويحميه من المظالم التي يحاسب عليها الله تعالى أشد الحساب، وفي هذا الصدد يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((العدل يريح العامل به من تقلد المظالم))([10]) .
سادسًا/ العدل نظام للدولة:
وهذه النقطة مسك الختام، وفيها يكون العدل نظام الإدارة، وسياسة الدولة التي تبتغي خدمة شعبها، وسلامة أرضها، وحماية مدنها، وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((العدل نظام الإمرة))([11]) .
فالعدل سياسة ضامنة لبناء الدَّولة وتطورها، وتنمية شعبها وعمران أرضها، وحماية حاكمها، ومن هنا علينا أن نتَّخذ من العدل برنامجًا حياتيًّا نتعامل به مع من هم في مسؤوليتنا؛ لأنَّ الحكم لا يعني سياسة الدَّولة فقط؛ وإنَّما يشمل معنى الحكم إدارة الأسرة والدائرة والمعمل وغير ذلك .
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين..
الهوامش:
([1]) مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي: 11/318 .
([2]) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: 78.
([3]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري: 3/1839 .
([4]) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي: 14/289 .
([5]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري: 3/1838 .
([6]) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري: 4/319 .
([7]) بحار الأنوار: 75/10 .
([8]) الكافي، الشيخ الكليني: 7/174 .
([9]) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: 481 .
([10]) مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي: 11/319 .
([11]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري: 3/1839 .