الباحث: محمد حمزة عباس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ...
أما بعد ...
فإن شدة الملازمة بين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) جعلت منهما شخصا واحداً، وبذلك أشارت الآية المباركة: ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾[1]، فكان الإمام عَلِيّ نفس النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله).
وكان (عليه السَّلَام) ملازمًا للنَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وقريبًا منه في كل الأوقات، وقد بين الإمام تلك القرابة بقوله: (وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه)[2].
فسبحانه وتعالى أمر نبيّه الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) بأن يدني أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) منه، وأن يعلمه بوصفه وارث علمه وأمينه على دينه، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تعي فنزلت وتعيها أذن واعية)[3].
وكان الإمام (عليه السَّلَام) يتبع أثر النبي الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) وكان يصطحبه بحراء، يقول الإمام (عليه السَّلَام): (وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي)[4].
وكان الإمام (عليه السَّلَام) ملازمًا للنَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وأقرب إليه من أي شخص وقت الشدة، ويوم أُحد خير شاهد، إذ لم يبقَ من المسلمين غير أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) يذبّ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ويحميه من سهام الأعداء وسيوفهم، حتى سمع النَّاس نداء جبرائيل إذ قال (عليه السَّلَام): (لا سيف إِلَّا ذو الفقار لا فتى إلَّا عَلِيّ)[5].
وفي أواخر عمره الشريف (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) كان الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) ملازمًا له (صلَّى الله عليه وآله) وقريبًا منه، حيث يقول الإمام (عليه السَّلَام): (ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي، ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي، ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه (صلى الله عليه وآله) والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ، مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ، ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه)[6].
وفي رواية: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) طلب من أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) أن يتناول في كفّه نفسه الطَّاهرة ويمررها على وجه إذ قال (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) للإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (ضع يا عَلَيّ رأسي في حجرك، فقد جاء أمر اللّه تعالى، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك، وامسح بها وجهك ثم وجّهني)[7]، فكان الإمام (عليه السَّلَام) ملازمًا وقريبًا من النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) حيًّا وميّتًا.
والخلاصة: لم يكن النبي أن يدني أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) منه إلا بأمر من الله (عزَّ وجلّ)، فمنذ الصّغر شاءت الأقدار أن يتولى كفالته، وحينما بلغ الإمام (عليه السَّلَام) أمر سبحانه أن يزوجه ابنته، ثم أمره يوم غدير خم أن يبلغ بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[8]، فقال (صلوات الله وسلامه عليه): (من كنت مولاه فعلي مولاه)[9]. فكانا (صلوات الله تعالى وسلامه عليهما) حقًا روحًا واحدة بجسدين طاهرين.
وفي الختام أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا ونبيّنا مُحَمَّدٍ وآلهِ الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرّ الميامين المنتجبين، واللعن الدَّائِم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين، إنَّه سميعٌ عليم...
الهوامش:
[1] - سورة آل عمران: 61.
[2] - نهج البلاغة، الخطبة: 192/ 300.
[3] - تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين، المحسن ابن كرامة: 174.
[4] - نهج البلاغة، الخطبة: 192/ 300.
[5] الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، أحمد الرَّحماني الهمداني: 116.
[6] - نهج البلاغة، الخطبة: 197/ 311.
[7] - بحار الأنوار: 22 / 470.
[8] - سورة المائدة: 67.
[9] - ينظر: مناقب آل أبي طالب ابن شهراشوب: 2 / 224.