الباحث: محمد حمزة عباس
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على سيِّد المُرسلين أبي القاسم مُحَمَّد وأهل بيته الطَّيِّبين الطَّاهرين...
وبعد...
تركت معركة بدر بقلوب المشركين حقداً دفيناً، فاردوا أن يثأروا لقتلاهم فجهزوا جيشاً وخرجوا من مكة بثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، قال الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): (كان سبب غزوة أحد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر لأنه قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، فلما رجعوا إلى مكة قال أبو سفيان: يا معشر قريش، لا تدعوا النِّساء تبكي على قتلاكم، فإنَّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا محمد وأصحابه... فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وأخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثنهم على حرب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله))[1].
وكان للإمام عَلِيّ وعمّه حمزة بن عبد المطلب (عليهما السَّلَام) دور كبير في تلك المعركة وقد قَتل الامام (عليه السَّلَام) من بني عبد الدّار تسعة من أصحاب الألوية فلما سقطت الرَّاية أخذها مولاهم صوأب فقتله الإمام (عليه السَّلَام) وبقت الراية على الأرض حتى أخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية[2] وكاد النصر يلوح للمسلمين لولا مخالفة الرماة لأمر النبي ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ).
وقد استشهد حمزة (عليه السَّلَام) في تلك المعركة وانهزم المسلمون ولم يبقَ مع النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، سوى عَلِيّ (عليه السَّلَام) ونفر قليل، وقد روي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال: (كنت أماشي عمر بن الخطاب إذ سمعت منه همهمة، فقلت له: مه يا عمر، فقال: ويحك أما ترى الهزبر القثم ابن القثم والضارب بالبهم، الشديد على من طغا وبغا بالسيفين والراية، فالتفت فإذا هو [أمير المؤمنين الإمام] عَلِيّ بن أبي طالب [عليه السَّلَام] فقلت له: يا عمر، هو عَلَيّ بن أبي طالب [عليه السَّلَام]، فقال: ادن مني أحدثك عن شجاعته وبطالته، بايعنا النبي (صلَّى الله عليه وآله) يوم أحد على أن لا نفر، ومن فر منا فهو ضال، ومن قتل منا فهو شهيد، والنَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون، فأزعجونا عن طاحونتنا، فرأيت عليا كالليث يتقي الذر إذ قد حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا، ثم قال: (شاهت الوجوه، وقطت وبطت ولطت، إلى أين تفرون؟ إلى النَّار؟) فلم نرجع، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت فقال: بايعتم ثم نكثتم، فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان يتوقدان نارا، أو كالقدحين المملوين دما، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت: يا أبا الحَسَن الله الله، فإنَّ العرب تفر وتكر، وإن الكرة تنفي الفرة، فكأنه استحيى، فولى بوجهه عني، فما زلت أسكن روعة فؤادي، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى السَّاعة، ولم يبق مع رسول الله إلا أبو دجانة سماك بن خرشة وأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، وكلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) استقبلهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه فيدفعهم عن رسول الله، ويقتلهم حتى انقطع سيفه...)[3].
وعلى الرغم من انهزام المسلمين في أول تلك المعركة إلا أن النصر والفوز والظفر كان بأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) ومن استشهد وثبت مع النبي ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) في تلك المعركة.
حتَّى أن جبرائيل (عليه السَّلَام) نزل على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فقال: (إنَّ هذه والله المواساة يا مُحَمَّد...)[4]، فكان نعم الأخ ونعم الصَّابر المجاهد والمحاميّ الذي به حفظ الله نبيّه من أيدي المشركين، وقد صار الإمام (عليه السَّلَام) المثل الأعلى للفداء والتَّضحية في سبيل الله ورسوله (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) فكان أَوَّل السَّبَّاقين للجهاد والموت في سبيل الله...
[1] - تفسير القمي: 1/111.
[2] - ينظر البحار: 20 /230.
[3] - تفسير القمي: 20/52 – 53.
[4] مناقب أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، محمَّد بن سُليمان الكُوفيّ: 1/475.