أوَّل فارسٌ في الاسلام، الصَّحابيّ المقداد بن عمرو الكندي

علي ومعاصروه

أوَّل فارسٌ في الاسلام، الصَّحابيّ المقداد بن عمرو الكندي

10K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-06-2020

هُشام مَكيّ خضيّر الطَّائِيّ.
الحمد لله الذين أنعم علينا بنعمة الإسلام، والصَّلَاة والسَّلَام علي خير الأنام، أبي القاسمِ مُحَمَّدٍ وآله الغرر الكرام...، أمَّا بعد:
فإنَّ من الصَّحابة الكرام الافذاذ الذين ضحّوا وفنوا أعمارهم بحبّ النَّبّي والوصيّ وآل بيتهما (صوات الله تعالى وسلامه عليهما وآلهما)، وعرف حقوقهم ومكانتهم عند الله تعالى وأفضليتهم على سائر المخلوقات، هو الصَّحابي الفذ: (الصَّحابيّ المقداد بن عمرو الكندي).
اسمه ونسبه (رضوان الله تعالى عليه):
 المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن ثور بن ثعلبة بن مالك بن الشريد[1].
لقبه وكنيته (رضوان الله عليه):
 لقب المقداد بن عمرو بـ(الكندي) وذلك لأنه فيما قيل: جاء إلى كندة فحالفهم، ثم جاء إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري فعرف بـ(المقداد بن الأسود)، والمُكنَّى بـ( أبي معبد)، وقيل: بـ(أبي عمرو)[2].
مناقبه صفاته (رضوان الله تعالى عليه):
صحابي مشهور من السابقين[3]، وشهد المقداد بدراً وله فيها مقام مشهور، وذُكر أنّه أوّل من قاتل فارسًا في الإسلام، فكان الوحيد من بين من اشترك في تلك المعركة آنفة الذكر لديه فرسًا، وشَهِد سائر المشاهد مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)[4]، كان من شجعان الصحابة وأبطالهم ونُجَبائهم، ورجلًا صالحًا مؤمنًا، ووصَفُوه بأنّه مجمع الفضائل والمناقب، فكان أحد الأركان الأربعة، وعَدّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنّة، أما صفاته الجسمانية، فكان طويل القامة، أسمر الوجه[5].
عقيدته وولائه للرَّسول ولآل بيته (صلَّى الله عليه وآله):
كان المقداد صاحب عقيدة قوية ومن الموالين للرَّسُول وآل بيته الأطهار (صلَّى الله عليه وآله)، ولما خرج رسول الله (صلَّى اللَّه عليه وآله) إلى معركة بدر استشار أصحابه فقام المقداد (رضوان الله تعالى عليه) فقال: (يا رسول اللَّه [صلَّى الله عليه وآله]، امضِ لما أُمرتَ به فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾[6] ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق نبيًّا لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) خيراً ودعا له[7].
 وكان من الثابتين على الصِّراط المُستقيم بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وحفظ حقّ الولاية العلويّة، وأعلن مخالفته للذين بدّلوا، في مسجد النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، وكان من الصفوة الذين صلّوا على الجثمان الطَّاهر لسيِّدَة النِّساء فَاطِمَة الزَّهرَاء (صلوات الله تعالى وسلامه عليها).
وله نصيب من مال الدنيا منذ البداية فأوصى للإمامين الحَسَن والحُسَين (عليهما السَّلَام) بستّة وثلاثين ألف درهم منه، وهذه الوصيّة دليل على حبّه لأهل البيت (عليهم السَّلَام) وتكريمه واحترامه لهم (عليهم السَّلَام)[8].
عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: ... سمعت المقداد بن الأسود الكندي يقول لعبد الرحمن بن عوف: (والله يا عبد الرحمن، ما رأيت مثل ما أُتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم (صلَّى الله عليه وآله).
 فقال له عبد الرحمن: وما أنت وذاك يا مقداد؟ قال: إنّي والله أُحبّهم لحبّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لهم ويعتريني والله وَجدٌ لا أبثّه بثّة، لتشرّف قريش على الناس بشرفهم، واجتماعهم على نزع سلطان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من أيديهم.
فقال له عبد الرحمن: ويحك! والله لقد اجتهدت نفسي لكم، فقال له المقداد: والله لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحقّ وبه يعدلون، أما والله لو أنّ لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إيّاهم يوم بدر وأُحد.
 فقال له عبد الرحمن: ثكلتك أُمّك يا مقداد! لا يسمعنّ هذا الكلام منك الناس، أما والله إنّي لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة.
 قال جندب: فأتيته بعدما انصرف من مقامه، وقلت له: يا مقداد أنا من أعوانك، فقال: رحمك الله، إنّ الذي نريد لا يغني فيه الرجلان والثلاثة، فخرجت من عنده فدخلت على عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، فذكرت له ما قال وما قلت، قال: فدعا لنا بالخير)[9].
صحبته للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) وموقفه من مناوئيه:
 كان المقداد بن عمرو الكندي من أطوع أصحاب الإمام (عليه السَّلَام)، وكان من الموالين له والمقتفين لأثره والسَّائرين على نهجه بعد الرَّسول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، والثَّابتين على ولاية أمير المؤمنين الإمام عَليّ (عليه السَّلَام) لحين وفاته (رضوان الله تعالى عليه).
روى بعض الرواة أنَّه قال: (دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلًا جاثيًا على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبته، وهو يقول: واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم [صلَّى الله عليه وآله] وفيهم أول المؤمنين وابن عم رسول الله [صلَّى الله عليه وآلهما] أعلم النَّاس وأفقههم في دين الله وأعظمهم عناء في الإسلام وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصِّراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهاديّ المهتديّ الطَّاهر النَّقيّ، وما أرادوا إصلاحًا للأمة ولا صوابا في المذَّهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدًا وسحقًا للقوم الظالمين.
 فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله، ومن هذا الرّجل؟ فقال: أنا المقداد ابن عمرو وهذا الرجل [أمير المؤمنين الإمام] عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام).
 قال: فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي إن هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان، ثم خرجت فلقيت أبا ذر فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد ...)[10].
وفاته (رضوان الله تعالى عليه):
 توفي الصَّحابي الفذ المقداد بن الأسود الكندي (رحمه الله تعالى) في المدينة المنورة، في سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة النَّبويَّة المباركة وهو ابن سبعين سنة[11]، بعد أن أفنى حياته في حبّ النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد وآل بيته الأطهار (صلَّى الله تعالى عليه وآله) والموالاة لهم، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع[12].
وما هذا الا الشيء المختصر لهذا الصحابي الفذ، وأن الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة واتم التسليم على نبيّه وصفيّه مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، الغرّ الميامين المنتجبين، ولعن الله تعالى أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين، إنَّه سميعٌ عليم...

الهوامش:
[1] ينظر: المعجم الكبير، الطبراني: 20/235.
[2] ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادِق (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 1/242-243.
[3] تحفة الأحوذي، المبار كفوري: 7/89.
[4] موسوعة طبقات الفقهاء: 1/243.
[5] يُنظر: موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري: 12/311-312.
[6] سورة المائدة: 24.
[7] موسوعة طبقات الفقهاء: 1/243.
[8] يُنظر: موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في الكتاب والسنة والتاريخ: 12/312-313.
[9] الأمالي، الشيخ المفيد: 169-170.
[10] مواقف الشيعة، الأحمد الميانجي: 2/353.
[11] ينظر: موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في الكتاب والسُّنَّة والتاريخ: 12/312.
[12] الغدير، الشيَّخ الأميني: 5/68.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2949 Seconds