علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه وأعز الصادق المحق وأذل الناكث المبطل والصَّلَاة والسَّلَام على مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الأطهار، واللعن الدَّائم على أعدائِهم الفُسَّاق الفُجَّار...
فلقد تألقت في سماء الإسلام نجومًا لامعه، قدموا أنفسهم وكل ما يملكون من غال ونفيس قرباناً في سبيل نصرة الدِّين الإسلامي، والولاء للرسول الكريم وأهل بيته الطيبين الأطهار (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) ولم تأخذهم في الله لومة لائم.
واستطاعوا أن يظهروا الحق، ويكشفوا الحقيقة في وجوه الطغاة والحاقدين لأهل البيت (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين)، فحريٌ بنا أن نبين هذه الشخصيات للعالم أجمع وسنذكر بقية الصحابة الخلص في أبحاث متتالية إن شاء الله تعالى.
ومن هذه الشخصيات الذي فدى بنفسه في نصرة أهل بيت الرَّسول (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) حتى مضى إلى ربّه تعالى شَهِيدًا، هو الصَّحابي: (مُحَمَّد بن جَعْفَر الطَّيار) (رضوان الله تعالى عليه).
وهو أحد المحامدة في كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، (إن المحامدة تأبى أن يعصى الله (عز وجل) وهم محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن الحنفية) أمه أسماء بنت عميس، خلف على أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد أخيه عون (عليه السَّلَام)[1].
ومحمد بن جعفر هو ابن ذي الجناحين القرشي الهاشمي وهو ابن أخي أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وُلِد على عهد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)[2]، حلق رسول الله صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) رأسه ورؤوس إخوته حين جاء نعي أبيه جعفر سنة ثمان، ودعا لهم، وقال: أنا وليّهم في الدنيا والآخرة، وقال: أما مُحَمَّد فشبيه عمّنا أبي طالب)[3].
وسار على نهج أهل البيت (عليهم افضل الصَّلَاة والسَّلَام) مُلتقطًا من أبيه الشَّهيد جعفَر الطَّيار جواهر الحبّ والولاء والتَّضحيَّة في سبيل نصرة الحقّ، والوقوف بوجه الباطل.
أختلف أغلب أهل السّير والتَّاريخ في شهادته (رضوان الله تعالى عليه) فقيل أن عبيد الله بن عمر بن الخطّاب خرج في كتيبة يقال لها : (الخضراء) وكان بإزائه محمّد بن جعفر بن أبي طالب معه راية الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) الّتي تسمّى (الجموح) وكانا في عشرة آلاف، فتطاعنا حتّى انكسرت رماحهما، ثمّ تضاربا حتّى انكسر سيف مُحَمّد ونشب سيف عبيد الله في الدرقة فتعانقا وعضّ كلّ واحد منهما أنف صاحبه فوقعا عن فرسيهما، وحمل أصحابهما عليهما فقتل بعضهم بعضاً حتّى صار عليهما مثل التلّ العظيم من القتلى! وغلب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) على المعركة فأزال أهل الشام عنهما ووقف عليهما، فقال: اكشفوهما فإذا هما متعانقان فقال: الإمام عليّ (عليه السَّلَام) والله لَعَنْ غير حب تعانقتما![4].
وجاء في عمدة الطالب أنّه: (كان لجَعْفَر –مُحَمّد- أكبر قُتل بصفّين، ومحمّد -أصغر- قُتل بالطفّ[5])[6].
ومن هنا يتبن جوهر الإسلام الحقيقي في هؤلاء الصَّحابة الخُلَّص أمثال مُحَمَّد بن جَعْفَر الطَّيَّار (رضوان الله تعالى عليه) حتى بقي ينتشر على مر العصور والأزمان وكل هذا الفضل يعود الى هؤلاء الصَّفوة الذين رفعوا لواء الحق بوجه الظالمين، واذابوا أنفسهم في إيصال الحق وردع الباطل همهم الوحيد هو رضا الله عز وجل، فسلام عليهم بما صبروا فنعم عقب الدَّار.
والحمدُ لله ربّ العالمين وصلِّ يا ربّ على نبيّنا وشفيعنا مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الأطهار والمنتجبين الأبرار...
الهوامش:
[1] ينظر: خاتمة المستدرك، ميرزا حسين النوري الطبرسي: 9/26.
[2] ينظر: الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السنة، السيد علي الحسيني الميلاني: 51.
[3] ينظر: الاستيعاب، ابن عبد البر: 3/1367.
[4] فضائل أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) ، ابن عقدة الكوفي: 97.
[5] ينظر: عمدة الطَّالب، ابن عنبة: 36.
[6] ينظر: قاموس الرّجال، التّستريّ: 9/160.