خُطَى الخُزَاعي
زهرة تميزت على بساط الروضة الغناء بتنوع العطر وتلوّن البتلات، عمَّرت في صحبة الآل مُورقة في كل مرة تُدرك فيها إمام بولاء تحكيه بَتلةً مميزة اللون مختلفة الضوع، وستزهر من جديد مدركة البقية منهم (عجَّل الله فرجه) ببقية من عمر وتاريخ من ولاء، عطره مزاج ولونه طيف، إذ ستكرُّ مُمَحَضَة الإيمان.
قيل في شأنها أنَّها كانت ممدوحة من لدن الأئمة (صلوات الله عليهم)، حسنة الحال، أمتدَّ بها العمر من زمان الإمام أمير المؤمنين إلى زمان الإمام الرضا متشرِّفة بالرواية عمَّن عاصرت من الأئمة (صلوات الله عليهم) وقد اطَّلعت على معجزاتهم([1])، هي أم الندى بنت جعفر حبابة الوالبية الأسدية، من أسد ابن خزيمة بن مدركة، من بني سعد بن بكر بن زيد مناة([2])، امتازت (رحمها الله) بولاء حقيقي أهلها لأن تُنظر من لدن الأئمة (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم) وتكون موضع اهتمامهم ومحل عنايتهم، لها كرامات على أيديهم غير واحدة، منها مع المولى السبط أبي عبد الله الحسين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، إذ روت: أنَّها كانت زوارة لأبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) ولما أصابها بين عينيها وضح من كثرة السجود، شقَّ عليها ذلك واحتبست عن الإمام أيامًا، فلما علم بما أصابها دعاها وشُفيت ببركته، فتشكر الله تعالى سجودًا على ما تفضل به عليها من شفاء بشفاعته الإمام (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، وتنقل عنه قولًا في هذه الحادثة: يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء([3])، وأورد هذا النقل بألفاظ مختلفة كقولها: ((ما أحد على ملة إبراهيم الَّا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها برآء))([4])، وأيضًا: ((والذي جعل أحمس خير بجيلة، وعبد القيس خير ربيعة، وهمدان خير اليمن، إنَّكم لخير الفرق، ثم قال: ما على ملة إبراهيم الا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها برآء)) ([5])، ولعلَّ أهم عناية حظيت بها هذه المرأة الموالية التي تكفَّلت بتوثيقها مؤمنة متميزة ذات ثقل في الولاء، وشأن عند أهل العصمة (صلوات الله عليهم)؛ حين انتخبها أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لتكون شاهدة على الإمامة مزودًا إياها بالبرهان والحجة البالغين، وممَّا ورد بشأن ذلك: أنَّ أم الندى الوالبية دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم وعلى رأسها كوز شبه المنسف، وعليها أبحار سابغة، وهي متقلدة بمصحف، وبين أناملها سبحة من حصى ونوى، فسلمت وبكت وتحسَّرت على مفارقته وطالبته بما في ضميرها من حاجة مع شهادتها له بأنَّها على يقين وبيان وحقيقة من أمرها، فما كان منه (صلوات الله عليه) إلّا أن مدَّ يده وأخذ من يدها حصاة بيضاء تلمع وترى من صفائها، وختم عليها بخاتمه الشريف مفصحًا عن مكنون مرادها، لتردَّ (رحمها الله) بأنَّ ذلك كان ما تريد، وتعلل بقولها: لما سمعناه من تفرق شيعتك واختلافهم من بعدك فأردت هذا البرهان ليكون معي إن عمرت بعدك، ويا ليتني وقومي وأهلي لك الفداء، فإذا وقعت الإشارة أو شكَّت الشيعة في من يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة، فإذا فعل فعلك بها علمت أنَّه الخلف بعدك، وأرجو أن لا أؤجل لذلك، فيخبرها (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) بأنَّها ستدرك الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى (صلوات الله عليهم)، وسيختمون الحصاة بختم الخاتم نفسه وبالكيفية ذاتها، وأخبرها بأنَّها ستنال على يد الإمام الرِّضا (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) برهانًا عظيمًا وتختار بعد ذلك الموت، فيستشهَد أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) وتمتدُّ بها سنون العمر مدركةً ما ذكر من الأئمة، وتحقق ما أخبر من ختم الحصاة من لدنهم (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) بخاتمه وعلى كيفيته، وأمَّا البرهان العظيم الذي كان على يد الإمام الرضا (صلوات الله عليه) أنَّه أرجعها شابة غضة بعد العجز والشيخوخة لتختار الموت بعدها، ويتحقَّق في حقها دعاء أمير المؤمنين بالثبات في الدين؛ إذ لم تسلب ما أُوتيت من فضل ولم تفتتن بأهل الضلالة، ثم البشرى بحسن الخاتمة والمنقلب حين قال لها: فتموتين ويتولى أمرك (أي الإمام الرضا)، ويقوم على حفرتك، ويصلي عليك وأنا مبشرك بأنَّك من المكرورات من المؤمنات مع المهدي من ذريتي إذا أظهر الله أمره([6])، ممَّا يعني أنَّها من مُمَحَضي الإيمان كما أفاد النقل الشريف عنهم (صلوات الله عليهم)([7]) في صفة من يكرُّ من المؤمنين في آخر الزمان.
فرحمها الله من مؤمنة لم تسر بغير درب الولاء، إذ بكَّرت فيه مع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أول المسير، ثم مدَّخر من خُطىً لها مع وليِّ الزمان تُبلغها غايةَ الدرب.
الهوامش:
[1] الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي (ت: 560): 652.
[2] ينظر: وسائل الشيعة، الحر العاملي (ت: 1104): 30/337.
[3] ينظر: الدعوات (سلوة الحزين) ، قطب الدين الراوندي (ت: 573): 65-66.
[4] المحاسن، البرقي (ت: 274): 1/147.
[5] المصدر نفسه.
[6] مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني (ت: 1107): 3/191.
[7] مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي (ت: ق9): 24.