العافية في اعتزال الناس

مقالات وبحوث

العافية في اعتزال الناس

64K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-07-2020

الباحث: محمد حمزة عباس

الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المنتجبين، واللعن الدَّائم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين، من الأولين والآخرين...
لم يخفَ على الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) شيء من حوادث الدنيا السابقة واللاحقة، فقد ورث أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك العلم من نبي الرحمة؛ إذ علمه (صلوات الله وسلامه عليه) علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، وقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}[1]، يعني عليًّا المرتضى من الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو منه، قال الله: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[2]، قال في قلبه العلم ومن خلفه الرصد يعلمه علمه ويزقه العلم زقًّا ويعلمه الله إلهاما، والرصد؛ هو التعليم من النبي (صلى الله عليه وآله)، {لِيَعْلَمَ} النبي {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ}، علي (عليه السلام) بما لدى الرسول من العلم {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}[3]، ما كان وما يكون منذ يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة من فتنة أو زلزلة أو خسف أو قذف، أو أمة هلكت فيما مضى أو تهلك فيما بقي، وكم من إمام جائر أو عادل يعرفه باسمه ونسبه، ومن يموت موتًا أو يقتل قتلًا، وكم من إمام مخذول لا يضره خذلان من خذله، وكم من إمام منصور لا ينفعه نصرة من نصره[4].
ومن الأخبار التي ذكرها الإمام (عليه السلام) التي تنطبق مع زماننا هذا ما ورد عنه (عليه السلام) أنَّه قال: (يأتي على الناس زمان، تكون العافية [فيه] عشرة أجزاء، تسعة منها في اعتزال الناس، وواحدة في الصمت)[5].
وما يجري اليوم من تفشي الوباء في جميع أرجاء العالم خير دليل على قوله (عليه السلام)، ولذلك لا بدَّ وأن نلتزم بوصاياه في الاعتزال، فقد جعل الإمام (عليه السلام) تسعة أجزاء العافية في اعتزال الناس، وجزء واحد في الصمت.
وأهل الاختصاص يؤكدون اليوم على العزلة كما أكدها الإمام (عليه السلام)، ذلك لمن أراد العافية والتحصين من هذا الوباء القاتل، وزماننا زمان فتن وأوبئة فمن كان معتزلًا سلم من كل بلاء ووباء، قال أبي جعفر (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (يأتي على الناس زمان فيه أحسنهم حالا من كان جالساً في بيته)[6].
ولذا يكون من اللازم المكوث في البيت مع الدعاء لعلَّ الله يحدث أمراً، فإنَّه تعالى لا ينسى خلقه، هذا هو اعتقادنا فيه جلَّ وعلا .
ولعل بقاء هذه الأوبئة وطول البلاء سببه قلة الدعاء، لذا لا بد من الرجوع الى الله بالدعاء، فمن أُلهم الدعاء ضمن الإجابة وهو قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[7].
وفي الختام الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

الهوامش:
[1] - الجن: 26 – 27.
[2] - الجن: 27 .
[3] - الجن: 26 – 28.
[4] - تفسير القمي: 2 / 390.
[5] - مستدرك الوسائل: 11/ 388.
[6] - مسند الإمام علي (عليه السلام): 10 / 292.
[7] - غافر :60.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2842 Seconds