المباهلة... من دلائل إمامة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)

مقالات وبحوث

المباهلة... من دلائل إمامة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-08-2020

الباحث: علي عباس فاضل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد
اشتملت السيرة النبوية المطهرة على سلسلة من الأحداث التاريخية التي لها أثر بارز في حياة الأمة الإسلامية، وقد شكلن هذه الأحداث منعطفا تاريخيا، وبينت مدى الظلامة التي تعرض لها أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لم يترك مناسبة إلا وذكّر بحق أهل بيته على أمته، لكن تلك الأمة لم تلتزم بوصايا نبيها (صلى الله عليه وآله) بحق أهل بيته (عليه السلام) بعد كل هذه الأحداث والتأكيدات على حقهم، ومن هذه الأحداث يوم المباهلة، وهو يوم عظيم برز فيه الإيمان لمواجهة الشرك.
والمباهلة في اللغة من الجذر (بهل)، يقال باهل يباهل و (باهلتُ فلاناً، أي: دعونا على الظّالم منا. وبهلته: لعنته)([1])، (وَيُقَال: باهَلْتُ فلَانا: أَي لاعَنْتُه، وَعَلِيهِ بَهْلةُ الله وبُهْلةُ الله: أَي لعْنة الله. وابتَهل فلانٌ فِي الدّعاء: إِذا اجتهدَ)([2]).
فهي المواجهة بين خصمين بالدعاء بعضهم على بعض، ليتبين الحق فيهم بأن يهلك الباطل الذي تناله لعنة الله، قال تعالى في المباهلة: (فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(([3]).
 وقد أجمع أهل التفسير على أن الذين أخذهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) للمباهلة مع نصارى نجران هم أمير المؤمنين  وسيدة نساء العالمين وسيدا شباب أهل الجنَّة (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين)، فالمقصود بـ(أبنائنا) هما الحَسَن والحُسَين (عليهما السَّلَام) و(نسائنا) هي مولاتنا فَاطِمَة الزَّهرَاء (عليها السَّلَام)، و(أنفسنا) الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)([4])، فأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) نفس النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وكيف لا وقد خلقا من نور واحد، فلا فرق بينهما غير أن النبوة في مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) والإمامة في الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام).
وذكر الفخر الرازي في تفسيره: (أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَوْرَدَ الدَّلَائِلَ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَى جَهْلِهِمْ، فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا الْحُجَّةَ أَنْ أُبَاهِلَكُمْ) فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، بَلْ نَرْجِعُ فَنَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ نَأْتِيكَ فَلَمَّا رَجَعُوا قَالُوا لِلْعَاقِبِ: وَكَانَ ذَا رَأْيَهُمْ، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْكَلَامِ الْحَقِّ فِي أَمْرِ صَاحِبِكُمْ، وَاللَّهِ مَا بَاهَلَ قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ فَعَاشَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَكَانَ الِاسْتِئْصَالُ فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْإِصْرَارَ عَلَى دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ خَرَجَ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، وَكَانَ قَدِ احْتَضَنَ الْحُسَيْنَ وَأَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ، وَفَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ، وَعَلِيٌّ [عليه السَّلَام] خَلْفَهَا، وَهُوَ يَقُولُ، إِذَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا، فَقَالَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا لَوْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُزِيلَ جَبَلًا مِنْ مَكَانِهِ لَأَزَالَهُ بِهَا، فَلَا تَبَاهَلُوا فَتَهْلِكُوا وَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)([5]).
أخرج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) صفوة خلق الله لمباهلة أهل نجران، فلما رأى القوم أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد أخرج أهل بيته (عليهم السَّلَام) ارتعدوا ودخل الرعب قلوبهم، حتى انسحبوا ولم يباهلوا وقول أسقفهم خير دليل على الرّعب والخوف الذي حلّ بهم، إضافة إلى كونهم قد عرفوا أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نبيّ مُرسل من السماء عبر ما شاهدوه من علامات تدل على ذلك.
وحادثة المباهلة أحدى الشواهد على أحقية أهل البيت (عليهم السَّلَام) بالأمر بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وأولهم أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) نفس النبي (صلَّى الله عليه وآله)، لكن الأمة جحدت ذلك وتركت ما أوصاهم به النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، فكيف لا وقد أنكروا يوم الغدير وما جرى فيه من تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) إماما مفترض الطاعة على الخلق، وقد بايعوه على ذلك ومن ثم نقضوا تلك البيعة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)!.
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من الثابتين على ولاية أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وأن يجمعنا مع محمد وآل محمد يوم الورود، إنه سميع مجيب...

الهوامش:
([1]) العين: 4/ 54.
([2]) تهذيب اللغة: 6/ 165.
([3]) سورة آل عمران: 61.
([4]) ينظر: تفسير الطبري: 6/ 481، تفسير السمرقندي: 220، الكشف والبيان في تفسير القرآن (تفسير الثعلبي): 3/ 85، تفسير الماوردي: 1/ 398، تفسير النيسابوري: 2/ 178.
 ([5])مفاتيح الغيب (تفسير الرازي): 8/ 247.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3723 Seconds