بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
بعد ان استشرى في النفوس حب السلطة جريا وراء نفعها المادي بجمع الأموال واقتناء الضياع والاماء والعبيد والجواري[1]، أخذت السياسة طريقها في الاستقلال عن الدين شيئا فشيئا، وقد صور لنا علي عليه السلام واقع المتكالبين على السلطة تصويراً دقيقاً في مواضع متعددة من النهج فصنفهم إلى أربعة أصناف:
ـ الصنف الأول: هو المتقاعس عن طلب السلطان لا لشيء، إلا لشعوره بحقارة نفسه وضعفه عن مقارعة المتنافسين بسبب قلة الأعوان وعدم امتلاك الثروة فهو «لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره»[2].
ـ الصنف الثاني: المتمثل في الإنسان الحاقد الذي يبتغي للشر أية وسيلة بتنحية القيم الإنسانية جانبا، وتحكيم السيف في رقاب العباد من أجل إرضاء غرور النفس في حب التسلط فهو «المعلن بشره المجلب بخيله ورجله قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقتب يقوده أو منبر يقرعه»[3].
ـ الصنف الثالث: هو المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن، برفع الشعارات البراقة واتخاذ الدين وسيلة للوصول إلى السلطة، بالتصنع في الأقوال والأفعال «قد طامن من شخصه وقارب من خطوه، وشمر عن ثوبه، وزخرف من نفسه الأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية»[4].
ـ الصنف الرابع: هو الذي اقعده عن طلب السلطة اقتناعه الداخلي بأنه ليس أهلاً لها لعدم قدرته على التعامل مع الناس، وهروباً من ذلك تزيا بزي الزهاد، واتخذ القناعة ستاراً فهو الذي «أبعده عن طلب الملك ضُؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال عن حاله فتخلى باسم القناعة وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى»[5].
فالسلطة في عرف الفئات الأربع مطمع دنيوي لا يمت للدين بصلة، وبسبب نجوم تلك الفئات المتسلقة وقع الحيف على عامة الناس الذين استحالوا جراء أطماع أولئك إلى «خائف مقموع، وساكت مكعوم، وداع مخلص، وثكلان موجع، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة فهم في بحر أجاج، أفواههم ضامرة، وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا»[6]. فكما يبدو من تصنيف علي عليه السلام للفئات الأربع المتسلقة، فإن الدين والسلطة ليسا خطين متوازيين، بل إنهما خطان متداخلان يشكل الدين فيهما أساس التداخل المنظم للعلاقات في اطار تمازجهما، ونلمس ذلك من خلال دراستنا لعلاقة السلطة بالدين في فكر علي عليه السلام[7].
يتبع لاحقا..
الهوامش:
[1] بشأن ما كان يمتلكه بعض الصحابة من ثروات راجع: طبقات بن سعد 3/109، 222ومروج الذهب 2/242، 342، ومعجم البلدان5/ 138، والعقيدة والشريعة للمتشرق جولد سهير 121.
[2] خطب 32.
[3] المصدر نفسه.
[4] المصدر نفسه.
[5] خطب 32.
[6] المصدر السابق بنفه.
[7] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص145 – 147.