بقلم: الشيخ مهدي المالكي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):
«قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِه»([1]).
إنّ الهمّة تنبع من مكانٍ عميقٍ بداخل النفس البشرية، ولذا فإنّ علـو الهمّة الحقيقي والحماسة الأصيلة لا يمكن تزييفها كما في حماسة المؤمنين من الناس إيماناً صادقاً، لأنّها مرتبطة ارتباطا وثيقاً بمصدر إلهي مُلهم يدفعها ويحرّكها نحو معالي الأمور وأشرافها، ولإنّ طاقتها مستمدة من القوّة القادرة العالمة الحيّة اللامحدودة واللامتناهية، التي تدفعها دفعاً حثيثاً متواصلاً بتواصل هذا الارتباط والاتصال نحو كل ما هو خيرٌ وصلاحٌ وفلاحٌ ومنتج للأفكار الإيجابية الخلاقّة والمبدعة، التي تولّد مشاعراَ وأحاسيساً ايجابية تنتج افعالاً وسلوكيات خارجية ايجابية كمنشأها، وتفتح الأبواب مشرعة أمام صاحبها لتحقيق المزيد من الإنجازات الكبيرة التي تقود إلى مصير إيجابي في الدنيا والآخرة، وتجعل حياة الإنسان حياة ً طيبة ً مثمرة ً غنية ً بكلِّ ما هو خيرٌ وحسَنٌ وجمال، بخلاف الحماسة الزائفة التي تظهر بشكل كلماتٍ وأفعالٍ وإيماءاتٍ مُصطنعة، سرعان ما تخبو وينكشف زيفها وخداعها.
رغم ذلك فإنّ الحماسة الأصيلة قد تتعرض إلى هجوم ومثبطات، فتفتر قليلاً، وتقلّ كفاءتها، وتضُعف طاقاتها، وتصاب النفس بحالة جزر الهمة، ويضطر صاحبها إلى انتظار قدوم المدّ مرة أخرى، وهذه الحالة نلاحظها كثيراً، فنرى أُناساً في يوم من الأيام ونظنُ أنهم سيفعلون المعجزات،وربّما نجدهم في اليوم التالي مباشرة تعتلي وجوههم إمارات التشاؤم وتعكّر المزاج، فيتراجع مستوى أدائهم، وتنفد طاقتهم، وتتراجع حركتهم ونشاطهم حتى يحصلوا على إمدادات جديدة من الطاقة..
فلماذا هذا المدّ والجزر في مستويات الهمّة والحماسة؟
السبب الرئيس في ذلك هو استيلاء الأفكار السلبية على النفس البشرية بفعل عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية يجمعها جامع إرادة الدنيا، وطلب الاستزادة من لذاتها ومتعها والابتعاد عن الغاية الاصيلة من وجود الإنسان في هذا العالم والانحراف عن طلب الآخرة. فهذه الأفكار هي القاتل للحماسة الذي يبدّد حيوية ونشاط الإنسان، ويُخفّض مزاجه إلى درجة لا يشعرُ معها بالرغبة في فعل أيّ شيء يرتبط بإرادة الآخرة وبما هو معنوي وغيبي. ولذا فإنّ تأجيج جذوة الحماسة في النفس يحتاج إلى إبعاد هذه الأفكار- السلبية - عن النفس كخطوةٍ أولى، يتبعها تركيز الذهن على الشيء الذي تود انجازه بكلّ عزم وإصرار، والتعهّد أمام الذات بعدم وجود قدرة على الأرض تستطيع حجز الإنسان عن مواصلة دربه نحو تحقيق أهدافه السامية التي تقع في طريق وصوله إلى غايته الكبرى في هذا العالم([2]).
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح/ الحكمة 47.
([2]) لمزيد من الاطلاع ينظر: سيكولوجية الصورة الذاتية، للشيخ مهدي المالكي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص95-97.