بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فإن من واجبات الحاكم التي بينها الإمام عليه السلام هي:
أولًا: العدل بين الناس بعيداً عن الهوى:
«فإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ، فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ، وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيَما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ، رَاجِياً ثوَابَهُ، وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ»[1].
وقوله:
«إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ».
«قول صدق لأنه إذا لم يكن الخصمان عند الوالي سواء في الحق جار وظلم»[2].
«وفي العدل كل العوض من الجور»[3].
ثم يتابع الإمام عليه السلام:
«الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالاْحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ»[4].
ثانيًا: أن لا يجعل الرعب والخوف في قلوبهم:
«وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ»[5].
ثالثًا: على الوالي أن يميل للعامة دون الخاصة، إذ قال الإمامg:
«وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلاْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاْلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاِْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلاْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الاُْمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ»[6].
ليس شيء أقل نفعًا، ولا أكثر ضررًا على الوالي من خواصه أيام الولاية؛ لأنهم يثقلون عليه بالحاجات، والمسائل والشفاعات فإذا عزل هجروه ورفضوه حتى لو لقوه في الطريق لم يسلموا عليه».[7] يذكر الإمام عليه السلام بقوله:
«وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّة لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا قَطُّ فِيهَا سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ،أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً، وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ، وَالاْحْتسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ»[8].
أما قوله فإن الذي يصل إليك:
«فإن الذي يصل إليك من ثواب الاحتساب على الرعية، وحفظ نفسك من مظالمهم والحيف عليهم أفضل من الذي يصل بك من حراسة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ولا شبهة في ذلك لأن أحدى المنفعتين دائمة»[9].
رابعًا: يجب على الوالي أن يشعر الرعية بالأمن ويحقق أمانيهم وأن يعفو عن أخطائهم مثل ما يحب أن يصفح عنه الله:
«وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الاَْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ»[10].
خامسًا:
«وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ...»[11].
هذا ما أكده الإمام عليه السلام ثم:
«إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصَاف فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الاْحْوَالِ، وَلاَ تُقْطِعَنَّ لاِحَد مِنْ حَاشِيتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعةً، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَة، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ، فِي شِرْب أَوْ عَمَل مُشْتَرَك، يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»[12].
حيث نهاه الإمام عليه السلام أن يحمل أقاربه وحاشيته وخواصه على رقاب الناس، وأن يمكنهم من الاستئثار عليهم والتطاول والإذلال، ونهاه عن أن يقطع أحدًا منهم قطيعة أو يملكه ضيعة تضر بمن يجاورها من السادة والدهاقين، أو ضياع يضيفونها الى ما ملكهم إياه وإعفاء لهم من مؤونة، أو حفر وغيره، فيعفيهم الولاة منه مراقبة لهم، فيكون مؤونة ذلك الواجب عليهم قد اسقطت عنهم، وحمل ثقلها على غيرهم»[13].
يقول الأستاذ الفكيكي «وكسر النفس عن الشهوات التي هي التعفف في الموظف الإداري على طرفي نقيض، ومن المستحيل أن يكون عفيفًا إذا استرسل مع شهواته وانقاد الى نفسه الأمارة بالسوء المغتر بالإمارة والجاه الطويل العريض وهل معنى إيصاله بردع نفسه عن الشهوات إلا تحذيره من التهور في المسائل الإدارية والعسكرية وأن يتصف بالمتانة والتبصرة المشترطين في كل إداري»[14]. ([15]).
الهوامش:
[1] المصدر نفسه، رسالة (59)، 17/104.
[2] ابن أبي الحديد، 17/104.
[3] المصدر نفسه، 17/104.
[4] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)،17/39.
[5] المصدر نفسه، رسالة (18)، 16/411.
[6] ابن ابي الحديد، رسالة (53)، 17/28.
[7] المصدر نفسه، 17/28.
[8] المصدر نفسه، رسالة (59)، 17/104.
[9] المصدر نفسه، 17/105.
[10] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/26.
[11] المصدر نفسه، 17/79.
[12] المصدر نفسه، رسالة (53)، 17/70.
[13] ابن ابي الحديد، 17/70.
[14] الراعي والرعية، ص25.
([15]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص210-214.