بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
قال أمير المؤمنين عليه السلام ((أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر عاثر إلا ويدُ الله بيده ترفعه)).
اهتمام واضح بالمتصف بصفة المروءة وفي ذلك تشجيع وتحبيذ ودعوة لاتصافنا بها ولتكاملنا ضمن خطها لما فيها من معان سامية يهتم بها الإمام عليه السلام لأنها من أهداف الإسلام.
فإذا كان الإنسان متصفاً بهذه الصفة الكريمة فالإمام عليه السلام يدعونا للصفح والغض عن خطئه ويحبب لنا التسامح وقبول العذر لو اعتذر تكريماً لهذه الصفة وتعزيزا لها في النفوس وتبياناً بأن الإنسان معرّض للتجاوز والخطأ، فلا بد للآخرين أن يساعدوه على تلافي التكرار وعدم الوقوع مرة أخرى بقبول العذر بل وابتغاء العذر له لو أمكن لأن هذا الجانب الأخلاقي مهم جداً في تسيير عجلة الحياة الاجتماعية وإلا لتعطلت وتكثرت الحواجز والمعرقلات؛ لأن الإنسان معرض دائماً بحكم طبيعته للتورط من خلال تصرف أو كلام، وفي الغالب يتعذر ويندم على ما صدر منه.
فحريٌ بالمسلمين الإصغاء لهذه الدعوة الكريمة والامتثال والتطبيق لموادّها كي نضمن تبادل التسامح والتغاضي والصفح عنا لو بدرت أخطاء من أي فرد منّا.
وقد عبّر عليه السلام عن الأخطاء بالعثرة التي هي (السقطة، الزلة)[2] ولعل صدورها من الإنسان إنما هو لتنبيهه إلى أمر يتغافل عنه -خصوصاً لو بلغ مرتبة تُهِمُه بالكمال- وهو الطبيعة البشرية القائمة على صدر الخطأ قولاً أو فعلاً وأن المعصومين من الخطأ معيّنون مخصوصون ومن عداهم فهم يتفاوتون في درجات الكمال فلا داعي لأن يشمخ بغضنا على البعض الآخر.
ومما هو جدير بالاهتمام أن الإنسان المسلم الملتزم المتمسك بحبل الله ورسوله وأوليائه مدعوم بدعم إلهي لئلا تتعرقل سيرته الحياتية، وذلك بعدة صور وأشكال إما بأن يبادر للاعتذار، وإما بأن يرق له قلب الطرف الآخر المعتدى عليه وإما بالاعتراف بالخطأ فيعطى فرصة التراجع، وإما بعدم الإصرار على الخطأ و الندم القلبي على ما صدر منه، وإما بالتوبة والاستغفار أيضاً مما يساعد على عدم توقف الحالة أو تشنج الوضع بل تسير الأمور كجاري العادة الطبيعية، كل ذلك بتأييد الله تعالى وتسديده ومنته وقوته فان (اليد) بمعنى النعمة والرحمة والقدرة؛ فانه تعالى ينعم عليه بتلافي الحالة ويرحمه بأن لا يصر على الخطأ لأنه عز وجل القادر على العباد، وكل ذلك من دون الجاء أو تأثير مباشر وإنما يهديه للتي هي أقوم وأحسن وأليق بحال هكذا إنسان تتمثل فيه الإنسانية وكل صفات الرجل القوي الذي عوّد نفسه على جيد الأفعال والاقوال الذي يبالي بما قال وبما قيل له، وهذه الحالة لا تترسخ إلا بالممارسة والمجاهدة للهوى الغلاب وإلا فمن السهل جداً إطلاق العنان وعدم السيطرة فيتفوه أو يتصرف بما شاء من دون مراقبة.
ومن الجدير بالذكر أنه قد جاء في المثل (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)[3][4].
[1] المروءات جمع المروءة وهي لغة: النخوة، كمال الرجولية. المنجد ص754 مادة (مرأ). أساس البلاغة للزمخشري ص587. الإنسانية، مختار الصحاح ص620، آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وميل العادات، أقرب الموارد ج2/ ص1196.
[2] المنجد ص486. مادة (عثر).
[3] قال (في مجمع الأمثال) ج2/ ص68، أراد بوذي الهيئات أصحاب المروءة
[4] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص101-103.