بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
يُصَاغُ اسمُ الفَاعِلِ مِنِ الفعْلِ الثُّلاثيّ المُجرَّدِ علَى زِنَةِ(فاعِل)، ويكثرُ هَذَا البنَاءُ من(فَعَلَ) اللَّازمِ والمتعدِّي، و(فَعِل) المُتعدِّي([1]).
وقدْ جَاءَ هذا البناءُ في المرويَّات نحو (أربعينَ) مرَّةً، وهو حافلٌ بشحنَاتٍ دَلاليَّةٍ
أسهمتْ بشكلٍ كبيرٍ في إبرازِ دَلالةِ النَّصِّ. ومنهَا ما يأتي:
2ـ قالَ ابنُ منظور في بيان معنى(السَّامِد): «وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّه خَرَجَ إِلى المَسْجِدِ والنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ لِلصَّلاةِ قِيَامًا فَقَالَ: مَا لِي أَراكم سَامِدِينَ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ سَامِدِينَ يَعْنِي القِيَامَ؛ قَالَ المُبَرِّدُ: السَّامِدُ القَائِمُ في تَحيُّر»([2]).
قَالَ الخليلُ: «والسَّامِدُ: القائمُ، وكُلُّ رافعٍ رأسَهُ فهو سَامِدٌ»([3])، وقَالَ ابنُ الأثيرِ: «السَّامِدُ: المُنْتَصِبُ إِذَا كَانَ رَافعًا رأسَهُ ناصِبًا صَدْرَهُ»([4])، وهذا يعني ليسَ كُلُّ قائمٍ سامدًا، فلا يكونُ سامدًا إلَّا بإضافةِ صفاتٍ أخرى، منْها، الانتصابُ، ورَفْعُ الرَّأسِ، وقدْ تُضافُ لهَا صفةٌ أخرى(التَّحيُّر)، ونعني بالتَّحيُّرِ: «يقال: حَارَ بَصَرُهُ يَحارُ حَيْرَةً وحَيرًا، وذلك إذا نظرتَ إلى الشَّيءِ فَغَشِيَ بَصَرُك، وهو حَيْرانُ تائه، والجميع: حَيَارَى»([5])، ويُضاف إلى ذلك سلب الهداية، «وتحيَّر واستحارَ وحارَ، لم يهتدِ لسبيلِهِ»([6])، وبهذا وردَ من مَعاني السُّمُود، القيَام مع التَّحيُّر، قَالَ أبو الفتحِ، برهانُ الدِّينِ الخوارزميّ المُطَرِّزِيّ(ت610هــ): «السَّامِدُ: القَائِمُ في تَحَيُّرٍ»([7])، ولهَا معانٍ أخرى ذكرَهَا الأزهريُّ قَائلاً: « قالَ ثَعْلَب عَن ابْنِ الأَعرَابِي: السَّامدُ: اللَّاهي، والسَّامدُ: الغافلُ. والسَّامدُ: السَّاهي. والسَّامد: المتكبِّرُ، والسَّامدُ: القَائمُ»([8])، وقيلَ للْمُغنِّي: سامدٌ؛ لرفعهِ رَأسَهُ([9]). وجَاءَ في كتابِ اللهِ العزيزِ :(وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ)([10])، قالَ الزَّمخشريّ في تفسير هذه الآية: «شَامِخُونَ مُبَرطِمُونَ، وقيل: لاهونَ لاعبونَ. وقال بعضُهم لجاريته: اسمدي لنا، أي: غنِّي لنا»([11]).
وقد أرادَ الامامُ عليٌّ(عليه السَّلام ) بهذه اللَّفظةِ القيامَ مع التَّحيُّر، إذْ ذكرَ نشوانُ بن سعيد الحِمْيرىُّ(ت573هــ) معنى الحديثِ فَقَالَ: « كانوا يكرهُونَ انْتَظَارَ الإِمَامِ قِيَامًا، ولكِنْ قَعُودًا. ويَقُولُونَ: ذَلكَ السُّمُودُ»([12]). فَقَدْ جَاءَ بِاسْمِ الفَاعِلِ للدَّلالَةِ على تجدُّدِ سُمُودِهم وحيرتِهم، وهذه صفةٌ ملازمةٌ لهمْ، ولو جَاءَ بالفعلِ(تَسمُدونَ) بدلًا من(سامِدينَ)؛ لكانتْ صفةً عارِضةً اقتصرتْ على وقتِ التَّكلُّمِ وانتهتْ.
ومعنى الحديث كما وردَ في شرح النَّهج، قالَ ابن أبي الحديد: «أي: قائمينَ، وكلُّ رافعٍ رأسَه فهو سَامدٌ، وكانوا يَكرهون أنْ ينتظروا الإمامَ قيامًا ولكن قعودًا، والسَّامدُ في غيرِ هذا المَوضعِ: اللَّاهي اللَّاعب»([13]). ([14]).
الهوامش:
[1] ينظر: شرح ابن عقيل: 3/ 134 ، والاشتقاق، عبد الله أمين: 247، والمدخل الى علم النحو والصرف، عبد العزيز عتيق: 84.
[2] لسان العرب(سمد): 3/219.
[3] العين(سمد): 7/235.
[4] النهاية في غريب الحديث والأثر(سمَد): 2/398.
[5] العين(ح ي ر): 3/288.
[6] التهذيب(ح ي ر): 3/435.
[7] المغرب في ترتيب المعرب(س م د): 234.
[8] التهذيب(سمد): 12/263.
[9] ينظر: الفائق في غريب الحديث والأثر، للزمخشري(سَمَد): 2/199.
[10] النجم: 61.
[11] الكشاف، للزمخشري: 4/430.
[12] شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم(سَمَد): 5/3206.
[13] شرح نهج البلاغة: 19/123.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 49 – 50.