من سياسة السب التي اتبعتها السلطة الأموية: الحلقة الخامسة – مواجهة سياسة السب (عبد الله بن عباس أنموذجًا)

مقالات وبحوث

من سياسة السب التي اتبعتها السلطة الأموية: الحلقة الخامسة – مواجهة سياسة السب (عبد الله بن عباس أنموذجًا)

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-11-2021

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
فإن ممن تصدوا لسياسة السب التي انتهجتها السلطة الأموية هو عبد الله بن عباس (ت68هـ/687م) في فضائل الإمام علي (عليه السلام) فروى نزول عدد من آيات القرآن الكريم فيه[1]، وذكر أنه نزلت فيه ثلاثمائة آية[2]، وذكر من الأحاديث النبوية حديث سد الأبواب[3]، وحديث الطائر المشوي[4]، وحديث المنزلة[5]، وذكر أحاديث أخرى منها: في سبقه إلى الإسلام، وعلمه وحلمه[6].

ولإجمال دور ابن عباس في بث فضائل الإمام عليّ نقتبس من موسوعة السيد الخرسان ما ذكره من تقويمٍ لجهود ابن عباس في هذا المضمار، إذ قال:
((من خلال متابعتي لمواقف ابن عباس مع أعداء الإمام تبيّن لي أنه كان ابن جلاها وطلاع ثناياها في تحدي السلطة وإعلان معارضته، عن طريق التحديث بفضائل الإمام [علي] (عليه السلام)، وكل تلك المواقف تنتهي بفوزه على خصومه، وجملةٌ منها في أيام حكم معاوية، فهو لم تلن له قناة، ولم تقرع له صفاة، بل كان مُثجاً يسيل غرباً، وإذا أردت عرض جميع ما وقفنا عليه فاحتاج إلى وقت طويل... إلاّ أني أعرض بعض نماذج فيها تحدٍ سافر لبيان السلطة وصاحبها، ولم أقف على مورد واحد فيه عقاب أو عتاب جُوبه به، وهذا يعني أن ابن عباس في هذا الميدان كان أقوى من سلطة معاوية، وسلاحه فيه أمضّ وأمضى))[7] فلم يُصغ ابن عباس لتهديدات معاوية وأوامره بايقاف التحديث في فضائل الإمام علي (عليه السلام) وسعى إلى نشرها وإذاعتها ما أمكنه ذلك، فقال له معاوية ذات يوم: ((فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يا ابن عباس وأربع على نفسك! فقال له ابن عباس: افتنهانا عن قراءة القرآن؟! قال: لا، قال: افتنهانا عن تأويله؟! قال: نعم، قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟! قال: نعم، قال: فأيما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟! قال: العمل به. قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال: سل عن ذلك مَن يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك!!))[8].

فتقصي السلطة للفضائل، ومحاولة طمسها أمرٌ جدي ولو تعلق ذلك بمنع تفسير كتاب الله وآياته المتضمنة الإشادة بآل البيت، وما نزل في عليّ من القرآن الكريم[9] في مواقفه الجهادية العظيمة التي لا سبيل إلى إخفائها أو التعنت في إنكارها.
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري (ت74هـ/693م) من فضائل الإمام علي (عليه السلام) المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)[10]، وخير البشر[11]، ومدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله)[12]، وأن محبته علامة المؤمن وبغضه علامة المنافق[13]، وهو نفس النبي (صلى الله عليه وآله) في آية المباهلة[14]، والمبلغ براءة في موقف الحج[15]، ومَنْ جعله الله وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وأبواب العلم في أمته، مَنْ اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم[16].
سنكتفي بما ذكرناه من نماذج لنشاط الصحابة في نشر الفضائل[17] حتى غدت مضرب المثل في الكثرة[18] ونختم بما قاله ابن حجر الذي أوقفنا على حجم الجهد المبذول من الصحابة في الرواية فقال: ((... كان سبب ذلك بغض بني أمية له، فكان كل مَنْ كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يُثبته، وكلما أرادوا إخماده، وهددوا مَنْ حَدَّث بمناقبه لا يزداد إلاّ انتشاراً))[19].

نستنتج مما تقدم:
1- إن الشخصيات التي اعترضت واحتجت على سبّ الإمام علي وذمه هي شخصيات مؤثرة في المجتمع الإسلامي من صحابة وتابعين.

2- إن التركيز على ذكر فضائل الإمام علي في هذه المرحلة له أهميته، إذ أدرك هؤلاء المسلمون أن الأمويين سعوا بكل قواهم لطمس فضائل الإمام علي، وخلق فضائل مضادة لفضائله، أو نسبة فضائله لغيره، ومن ثم فإن رواية فضائل الإمام علي، وتركيزها، ونسبتها إليه جعل من الصعوبة تحريفها أوالتلاعب بها.

3- لو تمعنا في ما تمّ إيراده من فضائل للإمام علي (عليه السلام) يتبين أن رواتها كانوا يستهدفون مقابلة المآخذ والمطاعن التي ابتدعها الأمويون ضد الإمام علي، وتعريتها من أي مصداقية فإن طهارته وكونه نفس النبي (صلى الله عليه وآله) يبعده أن يكون ملحداً أو منافقاً، ووصية النبي (صلى الله عليه وآله) بموالاته وكونه حجة الله وباب هدايته، وخير البرية يبعده أن يكون سفاكاً للدماء.
ومن الجدير بالذكر أن سياسة السبّ قد أوقف العمل بها في عهد الحاكم الأموي عمر بن عبد العزيز بعد أن استمرت طوال الحقبة (41–99هـ/661–717م)[20].
وعلى الرغم من ذلك فقد ظل بعض الناس[21]، وبعض ولاة الدولة الأموية[22] يتبنون هذه السياسة الغاشمة[23].

الهوامش:
[1] ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص219–220، ص222–225، ص227، ص233، ص235، ص240–241، ص246–247، ص250، ص253، ص256–258، ص265؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/196، 202، 207–208، 211، 227.
[2] ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص217.
[3] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص320؛ النسائي، خصائص، ص54، ص78؛ ابن المغازي، مناقب الإمام علي، ص229–230.
[4] الخوارزمي، مناقب، ص107؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/108–110.
[5] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص320؛ النسائي، خصائص، ص53–54.
[6] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص185؛ ابن مردويه، مناقب علي، ص256–257؛ ابن المغازي، مناقب الإمام علي، ص116–117؛ الخوارزمي، مناقب، ص54–55، ص83، ص92. ونقل فضائل أخرى مثل فداء الإمام علي للنبي (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، وحديث الراية، ونزول آية التطهير به وبآل بيته، وتبليغ براءة، وإقران النبي (صلى الله عليه وآله) أذى الإمام علي بأذاه. وغير ذلك كثير. ينظر: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، 319؛ النسائي، خصائص، ص52–53؛ ابن المغازي، مناقب الإمام علي، ص97.
[7] موسوعة عبد الله بن عباس، 5/68 وتنظر الصفحات 68–88.
[8] ابن قيس، كتاب سليم، ص315.
[9] قال ابن عباس: ((ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليّ))، وقال ابن عباس وحذيفة بن اليمان: ما نزلت: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] إلاّ كان علي لبّها ولبابها)).
ابن مردويه، ما نزل من القرآن في علي، ص218–220.
وينظر: الفصل الخامس في (كثرة ما نزل فيه وفي أولاده والعترة من القرآن على الجملة) في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، 1/63–677.
[10] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص294؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 1/119.
[11] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص151.
[12] الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/340.
[13] ابن المغازلي، مناقب الإمام علي، ص188.
[14] ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص226–227؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 1/187–188.
[15] النسائي، خصائص، ص114–116؛ الحاكم الحسكاني، شواهد، التنزيل، 1/375–377.
[16] الحسكاني، شواهد التنزيل، 1/91.
[17] للتوسع ينظر روايات 25 صحابياً وتابعياً في فضائل الإمام علي بمصادرها عند البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص375–454.
[18] ذكر الثعالبي: أن محمد بن مكرم قال لأبي علي البصير: ((فضولك والله أكثر من فضائل عليّ)). ثمار القلوب، 1/89، وينظر: ابن شاذان، مائة منقبة، ص159–160.
[19] الإصابة، 2/507–508.
[20] ينظر: ابن سعد، الطبقات، 5/393؛ البلاذري، أنساب الاشراف، 8/161.
[21] يُستشف ذلك مما روى عن مدّة حكم هشام بن عبد الملك (ت105–125هـ/723–724م) فذُكر أنه لما حج خطب في الموسم فلم يذكر الإمام علياً فخاطبه أحد الناس بقوله: ((يا أمير المؤمنين أن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب...)).
الجاحظ، رسائل الجاحظ (كتاب فضل هاشم على عبد شمس)، ص92؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/45؛ وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 5/121، 124.
[22] ومنهم خالد بن عبد الله القسري والي العراق في أيام هشام بن عبد الملك، وكان يلعن الإمام علياً بوقاحة وجرأة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصفاً إياه وهو يلعنه بأنه صهر النبي (صلى الله عليه وآله) وأبو سبطيه.
ابن الأثير، أسد الغابة، 1/239؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/45، وينظر لسيرة هذا الوالي من عدة مصادر: آل خليفة، أمراء الكوفة، ص370–384.
[23] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 95-99.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2615 Seconds