1. تحميل الصحابة مسؤولية دفع أهل البيت (عليهم السلام) عن موقع الرياسة والخلافة
بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، عماد اليقين وأساس الدين.
وبعد:
قد فهم ابن ابي الحديد قصدية منتج النص (عليه السلام) من منظور آخر، هذا المنظور يرتكز على احاطته بالتراث الاسلامي ومجريات الاحداث التي أعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فقصدية تحميل الصحابة مسؤولية دفع أهل البيت (عليهم السلام) عن مكانتهم في الخلافة لم ترشد إليها دلالة الالفاظ ومعاني المفردات ولا السياق العام للنص الشريف.
وهو ما يعزز نظرية خروج النص عن قصدية منتجه ونقله قصديات اخرى يكتنزها النص الى المتلقين، فبقدر ما يتحلى المتلقي والقارئ بالوعي والقدرة على الفهم والاستيعاب والادراك للإشارات والايحاءات والمعاني والدلالات، تكون قدرته في اكتشاف قصديات جديدة ليست بالضرورة أن تكون هي مقصد منتج النص وغرضه فيها.
وما تفاعل معه ابن ابي الحديد هو واحد من هذه الحقائق المرتبطة بالنص، وقد جاء ذلك في قوله:
(وفي هذا رمز وازراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع وجود من يصلح للأمر؛ اي كان الألْيَق بالمسلمين والأَولى ان يجعلوا الرياسة بعده لأهله)[1].
وهنا في هذا التفاعل مع النص ثمت اسئلة اثارها كلام ابن ابي الحديد المعتزلي، وهي:
1- هذا (الازراء) لمن، وبمن؟
جوابه عند المعتزلي بقوله: (بمن صرف الامر عن اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
2- ومن هو الذي صرف الامر عن اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)؟
يجيب ابن ابي الحديد على هذا التساؤل الذي يفرضه النص بغية الوصول الى فهم المتلقي لقصدية منتج النص (عليه السلام) وهو أصل معيار المقبولية -كما لا يخفى على اهل البحث في لسنيات الخطاب- ولذا:
يجيب المعتزلي:
(اي كان لا يليق بالمسلمين والاولى ان يجعلوا الرياسة بعده لأهله).
3- فمن هؤلاء المسلمين الذين كان أليق لهم وأولى ان يجعلوا الرياسة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأهله؟
جوابه مخفي عن ظاهر النص، لكن بحسب نظرية الأفعال الكلامية فأن ابن أبي الحديد المعتزلي له مقصدية في الاخبار عن وجود خلل في تولي الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا من جهة، ومن جهة اخرى تحميل الصحابة هذا الخلل الذي وقع في الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وهو كما يلي:
أولًا: اخبار المعتزلي بوجود خلل في تولي منصب الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبطلان نظرية نفي الوصية.
تظهر مقبولية النص عند ابي الحديد ان أصل الخلل الذي وقع بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكمن في تولي منصب الخلافة، وذلك يعتمد على امرين اساسيين:
الأمر الأول - نقض نظرية ترك الوصية من الاصل .
إنّ الثابت في عقيدة ابناء العامة وكذلك الحال عند المعتزلة بان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوص لعلي (عليه السلام) بالخلافة من بعده؛ بل ان اصل الوصية لم يقع فهو بزعمهم لم يوص لأحد من بعده، وقد احتج علماء الامامية (أعلى الله شأنهم) بحديث الموالاة وبيعة الغدير وغيرها من النصوص؛ بل القطع عندهم بصدور الوصية منه (صلى الله عليه وآله) لعلي بالخلافة والوصاية.
وذهب ابناء العامة وعلمائهم الى ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد اوصى بشكل غير مباشر بالخلافة الى ابي بكر من خلال الصلاة الاخيرة التي صلاها ابو بكر بالمسلمين ايام مرض النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي حجة لم تثبت عند ابناء العامة انفسهم[2].
وعليه:
كيف ينطلق ابن ابي الحديد المعتزلي من وصية الامام (عليه السلام) في امواله وجعل التولية لابني فاطمة (عليهم السلام) في نقض فعل المسلمين في توليتهم لغير اهل بيت النبوة.
بمعنى:
اذا كان اصل التولية لابني فاطمة (عليهم السلام) جاء من خلال النص والوصية التي كتبها الامام علي (عليه السلام) بيده فكيف يصح الاحتجاج بهذا الفعل واتخاذه حجة ودليلاً على تخطئة فعل المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
وجوابه يتضح كما يلي في الامر الثاني.
الامر الثاني - إن المسلمين خالفوا وصية النبي (صلى الله عليه وآله) وعصوه متعمدين.
يتضح من ذلك إنّ أمر الوصية قد وقع من النبي (صلى الله عليه وآله) مثلما وقع من علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأن النبي قد أوصى لعلي مثلما أوصى أمير المؤمنين لأبني فاطمة (عليهم السلام).
إلا أن المستأثرون بالسلطة والطامحون للخلافة قد ادعوا ظلما وبهتاناً وزورا أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوص لعلي (عليه السلام) من بعده، فعمدوا الى السقيفة متسارعين والى الملك والامارة متحاملين، يهدد بعضهم بعضاً.
فهذا الصحابي البدري الانصاري حباب بن المنذر ينادي في اهل السقيفة من الانصار والمهاجرين وموجهاً خطابه لابي بكر وعمر:
(منّا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجري في الأنصاري شيئاً ردّ عليه، وإن عمل الأنصاري في المهاجري شيئاً رد عليه، وإن لم تفعلوا فأنا جذيلها المحكّك وعُذيقها المرجّب، انا ابو شبل في عرينة الاسد، والله لإن شأتهم لنعيدنّها جذعة)[3].
ليقابله تهديد اخر وهذه المرة من رأس الفريق المعاكس وهم المهاجرون وبنبرةٍ أشد حدة فيقول ابو بكر لسيد الانصار سعد بن عبادة مهدداً له بالقتل لو بايعه اثنان، قائلاً:
«لإن اجتمع اليك مثلها رجلان لقتلناك»[4]
ثم لينتهي الامر بقول عمر بن الخطاب للأنصار بعد ان خذلوا سيدهم سعد بن عبادة فهبوا لبيعة ابي بكر وقد (ازدحموا على ابي بكر، فقالت الانصار:
قتلتم سعداً؟؟
فقال عمر:
اقتلوه، قتله الله، فإنه صاحب فتنة)[5].
اذن: هي الفتنة التي اوقعها هؤلاء المجتمعون في السقيفة، فأي واحد منهم لو حكم كان قد تولى منصباً ليس من حقه، وذلك أن الأمر لا ينحصر في سيد الانصار سعد بن عبادة كما أدعى عمر بن الخطاب بأنه صاحب فتنة، وانما الفتنة في مخالفة الوصية ومعصية رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وإلاّ فكيف تنحصر الفتنة بسعد بن عبادة دون غيره ممن اجتمع في السقيفة وكلهم من المكانة ما لا يخفى، وكلهم يدعي الاهلية لهذا المنصب، وما هو الفارق فيما لو تولى الأمر سعد بن عبادة بدلا عن ابي بكر مالم يكن الفارق هو مخالفة وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تولي علي (عليه السلام) للخلافة؟!!.
وحسبك في دلالته قولهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله يهجر)[6] والعياذ بالله.
ومن ثم: كيف لا يحمل ابن أبي الحدي المعتزلي الصحابة مسؤولية إبعاد أهل البيت (عليهم السلام) عن الخلافة وقيادة الأمة والأخذ بيدها الى النجاة من الضلال ما أن تمسكت الأمة بهم. ([7]).
الهوامش:
[1] شرح نهج البلاغة: ج15 ص149.
[2] لمزيد من الاطلاع ينظر كتاب (وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته) للمؤلف.
[3] تاريخ الطبري: ج3 ص221؛ الامامة والسياسة لابن قتيبة: ج1 ص5-6؛ العقد الفريد لابن ربه الاندلسي: ج4 ص25 ط/ دار الكتاب العربي؛ مروج الذهب للمسعودي: ج2 ص312 ط/ دار القلم.
[4] المنتظم لابن الجوزي: ج4 ص68 ط/ دار الكتب العلمية.
[5] العقد الفريد للاندلسي: ج4 ص257 ط/ دار الكتب العلمية.
[6] صحيح مسلم، كتاب النذر، باب: الأمر بقضاء النذر، ج5 ص76
[7] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فاطمة في نهج البلاغة تأليف السيد نبل الحسني: ج5، ص118-123، ط دار الكفيل، العتبة العباسية المقدسة.