أخبار النبي(صلى الله عليه وآله) فاطمة(عليها السلام) بما يجري عليها من بعده.

مقالات وبحوث

أخبار النبي(صلى الله عليه وآله) فاطمة(عليها السلام) بما يجري عليها من بعده.

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-12-2021

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، عماد اليقين وأساس الدين.
تعد مسألة إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بالغيبيات من المسائل التي زخرت بها كتب الحديث الشريف حتى باتت من المسائل البديهية والعناوين الأساسية في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما وأنها أحد الدلالات النبوية في اختصاصه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة؛ فمنها على سبيل الاستشهاد.
1 ــ أخرج مسلم في الصحيح عن أم سلمة، وأحمد حنبل في المسند عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله (صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم) قال لعمار:
«تقتلك الفئة الباغية»([1]).
وفي لفظ أحمد: (ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية)([2]).
ولقد استشهد عمار بن ياسر في معركة صفين حينما كان يقاتل مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حربه لزعيم الفئة الباغية معاوية بن أبي سفيان.
2 ــ أخرج أبن أبي شيبة الكوفي في المصنّف عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«أيتكم صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت»([3]).
ولقد خرجت عائشة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في البصرة في واقعة سميت بوقعة الجمل.
3 ــ أخرج الحاكم في المستدرك عن عوف بن مالك قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة»([4]).
وفي لفظ:
«ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة»([5]).
وغيرها من الشواهد التي تحدث فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغيبيات فكان من بينها حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل بيته وعترته فاطمة وعلي والحسن والحسين عما ينزل عليهم من البلايا والمصائب وتكالب القوم عليهم قتلاً ونهباً وتشريداً.
فكان منها، أي من هذه الأحاديث ما هو على وجه العموم حينما يجتمعون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما سيمر بيانه، ومنها ما كان على وجه الخصوص وكشفه (صلى الله عليه وآله وسلم) لبضعته وقلبه فاطمة (عليها السلام).
وهي على النحو الآتي:
1 ــ أخرج الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه، عن عقيلة الهاشميين، زينب ابنة علي عليهما السلام، أنها قالت:
(حدثتني أم أيمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زار منزل فاطمة (عليها السلام) في يوم من الأيام، فعملت له حريرة وأتاه علي (عليه السلام) بطبق فيه تمر، ثم قالت أم أيمن: أفأتيتهم بعش فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) من تلك الحريرة، وشرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً، ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجداً وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطمة (عليها السلام):
«ما يبكيك يا رسول الله ، لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك؟».
فقال:
«يا أخي سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط وأني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته فيكم، إذ هبط عليّ جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله تعالى اطلع على ما عني نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهنأك العطية، بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم، يحيون كما تحيا، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي الناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براءً من الله ومنك خبطاً خبطا، وقتلاً قتلا، شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عزّ وجل على خيرته وأرض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بما اختاره لكم»)([6]).
2 ــ أخرج الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:
«قال بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ التفت إلينا فبكى فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟
فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن، في الفخذ والسم الذي يسقى، وقتل الحسين.
قال: فبكى أهل البيت جميعاً، فقلت: يا رسول الله ما خلقنا ربنا إلا للبلاء، قال: أبشر يا علي، فإن الله عزّ وجل قد عهد إليّ أنه لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»([7]).
3 ــ أخرج الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسنده إلى سعيد بن جبير ،عن ابن عباس، قال:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) ، فلما رآه بكى، ثم قال:
«إليّ يا بنيّ».
فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام) ، فلما رآه بكى، ثم قال:
«إليّ يا بني».
فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة (عليها السلام) فلما رآها بكى، ثم قال:
«إليّ إليّ يا بنية».
فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما رآه بكى، ثم قال:
«إليّ إليّ يا أخي».
فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن؛ فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت، أوما فيهم من تسر برؤيته؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.
أما علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي، محبه محبي ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة.
وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين والأولين والآخرين وهي بضعة مني وهي، نور عيني وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار.
وأني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها (وكسرت جنبتها)، وأسقطت جنينها، وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن.
ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين.
ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله عزّ وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها؛ فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي؛ فيلحقها الله عزّ وجل بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلل من أذلها وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين»)([8]).
ونحن نقول كما قالت الملائكة: آمين إلى قيام يوم الدين.

الهوامش:
([1]) صحيح مسلم، باب تقوم الساعة حتى يمر الرجل: ج8، ص186.
([2]) مسند أحمد: ج3، ص5، من حديث أبي سعيد الخدري.
([3]) المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، في مسيرة عائشة: ج8، ص711؛ فتح الباري لابن حجر: ج13، ص46؛ مسند ابن راهويه: ج2، ص33.
([4]) مستدرك الحاكم: ج4، ص430؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج10، ص208.
([5]) مسند أحمد: ج2، ص333؛ سنن ابن ماجه: ج2، ص1321؛ سنن أبي داود: ج2، ص390.
([6]) كامل الزيارات، الهامش: ص444؛ مستدرك الوسائل: ج5، ص153؛ البحار: ج28، ص57؛ وج45، ص180؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ج2، ص469، ط دار إحياء التراث.
([7]) الأمالي للصدوق: ص134.
([8]) الأمالي للصدوق: ص112 ــ 115؛ الفضائل لابن شاذان القمي: ص10؛ الدر النظيم لابن أبي حاتم العاملي: ص378؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص197؛ البحار للمجلسي: ج28، ص38؛ إرشاد القلوب للديلمي: ج2، ص299؛ بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأبي قاسم الطبري: ص307.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2898 Seconds