بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
لعل من أبرز مصاديق معارضة ومقابلة أخبار الفضائل الواردة للإمام علي(عليه السلام) هو ما جرى من استقصاء لفضائل الإمام علي وابتكار فضائل أخرى للآخرين على نسقها أو بما يشبهها أي أن ((هناك عملية مطاردة سياسية تلاحق الفضائل، وتُصاغ على إثرها فضائل أخرى منسوبة))[1] لغيره على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)[2].
ولعل أول مَن أُضيفت إليه فضائل الإمام علي (عليه السلام) هو معاوية بن أبي سفيان[3] الذي رويت في فضله أحاديث كثيرة موضوعة بلا شك[4] لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وآله) منها شيء[5]، كما ذكر ذلك كبار المحدثين[6].
وقد علل أحمد بن حنبل (ت241هـ/855م) لابنه هذه المفارقة الملفتة فقال: ((اعلم إنّ علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا؛ فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي. فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد...))[7].
ومن أبرز مَن قُلبت لصالحهم الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل الإمام علي الخلفاء الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) فروي حديث: ((يا علي لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق))[8] تارة بحق عمر بن الخطاب، وتارة بحق أبي بكر وعمر[9]، وروي حديث المنزلة: (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي))[10] لأبي بكر[11]، وزيد في حديث ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب))[12]، بعبارة: ((وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها))[13].
وذكر ابن أبي الحديد[14]: أنّ البكرية وضعت لأبي بكر أحاديث لمقابلة أحاديث الفضائل العلوية نحو حديث: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً)) فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء–للإمام علي -، ونحو حديث سد الأبواب، فإنه كان لعليّ فقلبته البكرية إلى أبي بكر، ونحو ((إئتوني بدواة وبياض اكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان))... فإنهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه: (إئتوني بدواةٍ وبياض اكتب لكم ما لا تضلون بعده أبداً) فاختلفوا عنده))[15].
الهوامش:
[1] الحلو، تاريخ الحديث، ص260.
[2] تقصى الدكتور جواد كاظم منشد النصر الله، فضائل الإمام علي المنسوبة إلى غيره في حلقات صدر منها الحلقة الأولى وتنتظر ثمان منها، متبعاً منهجاً علمياً دقيقاً في إثبات صحة الفضيلة التي خُص بها الإمام علي، بالاعتماد على كل مَن ذكرها في كتب التاريخ، والحديث، والتفسير، والفقه، والأدب، والجغرافيا، والكلام، ودواوين الشعر، وما يُنقش على النقود، وغيرها من مصادر فضلاً عن دراسة رواتها ومكانتهم، ومدى وثاقتهم، ومن ثمَّ مَنْ نُسبت هذه الفضيلة إليه، واستقصاء المصادر التي روت هذه النسبة، وتوجهات أصحابها، وموقفهم من الإمام علي.
ينظر: فضائل أمير المؤمنين علي المنسوبة لغيره–الحلقة الأولى، ص54–58.
[3] ذكر الدكتور جواد علي أن بعض الأحاديث التي وضعت في فضائل معاوية هي أحاديث وضعت في مقابل أحاديث فضائل عبد الله بن عباس. ينظر: المفصل، 8/302–303.
[4] هذا ما ذكره ابن كثير، البداية والنهاية، 8/218. وينظر: الاستقصاء والمناقشة الرائعة لما أسماه ابن كثير: (الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات) في فضل معاوية، وتفنيد ذلك سنداً ومتناً من قبل العلامة السيد محمد مهدي الخرسان، موسوعة عبد الله بن عباس، 5/163–176.
[5] ابن الجوزي، الموضوعات، 1/335. وينظر: عدد من الأحاديث الموضوعة في فضل معاوية لدى: الأميني، الوضاعون، ص24–25، وعلق على هذه الموضوعات بالقول:
((نكتفي بهذا، وأما ما صحّ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال بحق معاوية وثبت عند العلماء صحته سنداً ومتناً فهو أنه (صلى الله عليه وآله) قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، ص25–26. وهذا الحديث رجاله رجال الصحاح، أخرجه الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 12/178 وابن حجر في تهذيب التهذيب، 3/164 بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري بطريق رجاله كلهم ثقات.
[6] مثل إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والنسائي، وابن الجوزي، وابن حجر، وابن تيمية، والذهبي، والعيني والشوكاني، وغيرهم–وكلهم من غير الشيعة -. للاطلاع على آرائهم ينظر: الخرسان، موسوعة عبد الله بن عباس، 5/172–174.
[7] ابن حجر، فتح الباري، 7/476، وينظر: ابن الجوزي، الموضوعات، 1/335.
[8] مسلم، الصحيح، ص90؛ الترمذي، سنن، ص982.
[9] رواه عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذاب ومتروك وليس بثقة، يضع الحديث كما ذكر ذلك أحمد والدارقطني وأبو داود والنسائي والذهبي. ينظر: المصدر نفسه، 4/311.
[10] البخاري، الصحيح، ص659، ص777؛ مسلم، الصحيح، ص1041؛ الترمذي، السنن، ص981.
[11] قال الذهبي في رواية: (([جاء] علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبر كذب، هو المتهم به. متنُه (أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى)). ميزان الاعتدال، 5/149.
[12] الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/339–340 وقال عن حديث العلم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه [البخاري ومسلم].
[13] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص32؛ الأميني، الوضاعون، ص400. ولمزيد ينظر: الإحصاء الرائع (للموضوعات في المناقب) الذي جمعه الأميني، في المصدر نفسه، ص100–351.
[14] شرح النهج، 11/40. تنظر: المصادر التي أوردت حديث الخُلّة لأبي بكر: البخاري، الصحيح، ص649–650؛ مسلم، الصحيح، ص1034؛ الترمذي، السنن، ص966. وحديث سد الأبواب إلاّ باب أبي بكر: البخاري، الصحيح، 649؛ الترمذي، السنن، ص967م. وحديث الوصية لأبي بكر: وروي عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لها: ((إدعي لي أبا بكر وأخاكِ، حتى أكتب كتاباً فاني أخاف أن يتمنّى متمنٍ ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر))!!! مسلم، الصحيح، ص1035.
وينظر: الأحاديث الموضوعة والمقلوبة على غرار أحاديث فضائل الإمام علي الصحيحة التي نُسبت لأبي بكر وعمر وعثمان، ومناقشتها متناً وسنداً لدى الأميني، الغدير، 5/476–565.
[15] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 103-106.