رواية فضائل الإمام علي عليه السلام في العصر العباسي

فضائل الإمام علي عليه السلام

رواية فضائل الإمام علي عليه السلام في العصر العباسي

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-01-2022

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
لقد اعتمد دعاة العباسيين في زمن بني أمية على فضل الإمام علي (عليه السلام) لكسب الأنصار فقد خرجت الدعاة إلى النواحي سنة 126هـ/743م عند اختلاف كلمة بني مروان فكان ((أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده، وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه))[1].

وبوصول العباسيين للسلطة بدأت مرحلة جديدة لا تختلف كثيراً عن العصر الأموي من حيث محاربة فضائل الإمام علي، والتضييق على رواتها، فقد ظل العلويون من بني هاشم الداعين إلى حقهم في الخلافة، أو الناهضين بمعارضة السلطة العباسية خطراً محدقاً، أوجب التصدي له بكل الأشكال العسكرية والمعنوية، ومن أشكال التصدي المعنوي محاربة منزلتهم في النفوس، وأهليتهم لحكم الناس، والتي تستند في أساسها الشرعي الأول إلى منزلة ومقام زعيمهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأفضليته، وحقه وذريته في حكم الدولة الإسلامية.

ففي أيام المنصور العباسي (136–158هـ/754–775م) تحرك طموح بعض العلويين للخلافة فخرج محمد بن عبد الله[2] في المدينة، وكتب إلى المنصور: ((... فإن الحقّ حقّنا، وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا، وخرجتم له بشيعتنا، وحظيتم بفضلنا، وأن أبانا علياً كان الوصيّ وكان الإمام، فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟! ثمّ قد علمتَ أنه لم يطلب هذا الأمر أحد له مثلُ نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا، لسنا من ابناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء، وليس يمُتُّ أحد من بني هاشم بمثل الذي نُمتُّ به من القرابة والسابقة والفضل...))[3].
فرد المنصور برسالة شديدة اللهجة أساء فيها إلى الإمام علي والحسن والحسين وشيعة آل البيت[4].
ولما تسنى للمنصور القبض على عبد الله بن الحسن[5] وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد منبر هاشمية الكوفة فوقع في الإمام علي وولديه الحسن والحسين، وذم سياستهم وطعن في أهليتهم لتولي أمور المسلمين فقال: ((إنَّ ولد ابن أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلاّ هو والخلافة فلم نعرض لهم... فقام فيها علي بن أبي طالب فما أفلح، وحكّم الحكمين، فاختلفت عليه الأمة وافترقت الكلمة، ثم وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه. ثم قام بعده الحسن بن علي فوالله ما كان برجل، عُرضت عليه الأموال فقبلها، ودسَّ إليه معاوية إني أجعلك ولي عهدي، فخلعه وانسلخ له ما كان فيه، وسلمه إليه... ثم قام من بعده الحسين بن علي فخدعه أهل العراق...))[6].
ويتبين من هذا النص التوجه الخطير الذي تبناه المنصور العباسي منذ سنة 145هـ/672م في تشويه سيرة الإمام علي خاصة وأهل البيت عامة، فكيف سيكون موقفه من رواية فضائلهم؟

لا شك أنه كان المنع والتضييق على رواة مناقب الإمام علي (عليه السلام)، فذكر لنا الأعمش[7]–المعروف بكثرة ما رواه في فضائل الإمام علي (عليه السلام)–خوفه الشديد من أن تطاله عقوبة القتل والصلب في هذا السبيل في عهد المنصور، وللتدليل على ذلك لنتأمل في شهادته على تلك الأيام لما استُدعي ذات ليلة ليحضر بين يدي المنصور فقال ((... فنهضتُ من نومي فزعاً مرعوباً... متفكراً... فيما بيني وبين نفسي إلى ماذا أصير إليه وأقول لم بعث إليّ في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم... فقلت: إنما بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فإن أنا اخبرته فيه بالحق أمر بقتلي وصلبي، فأيست والله من نفسي وكتبتُ وصيتي...))[8].

ولعل هذه الكلمات شافية في الدلالة على ذلك الرعب والخوف الذي أشاعه المنصور في نفوس رواة المناقب العلوية في عهده، ومعرفتهم بنوع العقوبة التي تطال أحدهم إن ظفرت به السلطة.))[9].
ومما ساعد على نشر هذه المطاعن–التي باء بكبر افتعالها القراء المراؤون والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والنسك–واستمرار بقائها أنها انتقلت إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق[10].
وبمرور الزمن أدت العصبية المذهبية–التي غذاها الأمويون لسنوات طويلة–بين مَنْ أُطلق عليه اسم البكرية من المسلمين المتعصبين للخليفة أبي بكر وبين شيعة علي إلى إخراج الفريقين ((من ذكر الفضائل إلى ذكر الرذائل، ومن تعديد المحاسن إلى تعديد المساوئ والمقابح))[11].
فذكرت البكرية مطاعن كثيرة في الإمام علي، ونسبوه تارة إلى ضعف العقل، وتارة إلى ضعف السياسة، وتارة إلى حب الدنيا والحرص عليها[12].
وفي قبال نشر المطاعن هذه كان يتم التكتم على رواية مناقب الإمام علي (عليه السلام) طوال عهد عبد الملك (65–86هـ/685–705م)، والوليد بن عبد الملك (86–96هـ/705–715م)، وسليمان بن عبد الملك (96–99هـ/715–717م) وعمر بن عبد العزيز (105–125هـ/724–743م)، الذين لزمهم المحدث الزهري (ت123هـ/ أو 125هـ/740م أو 742م)[13].
نستشف ذلك من رواية معمر عنه حديثاً في فضل علي (عليه السلام). فقال: ((حدثني الزهري، وقد حدثني في مرضةٍ مرضها ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها أحسبه ولا بعدها، فلما بَلّ من مرضه ندم فقال لي: أُكتم هذا الحديث واطوه دوني، فإن هؤلاء–يعني بني أمية–لا يعذرون أحداً في تقريض عليّ وذكره، [قال معمر:] قلت: فما بالك أوعبت مع القوم يا أبا بكر وقد سمعت الذي سمعت [من فضل عليّ]؟!! فقال: حسبك يا هذا أنهم شركونا في لهاهم [عطاياهم الجزيلة] فانحططنا لهم في أهوائهم))[14].
وإذا كان هذا النص يوقفنا على تماهي الزهري مع رغبات مَنْ لزمهم من سلاطين بني أمية طمعاً بما أغروا به المحدّثين، فهناك ما يدلنا على أنه كتم فضائل أمير المؤمنين، وترك التحديث بها خوفاً على نفسه من انتقام حكام بني أمية[15].

الهوامش:
[1] الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص207.
[2] ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يكنى أبا عبد الله، وكان من أفضل أهل بيته في علمه بكتاب الله وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه، حتى شاع في العامة أنه المهدي، بايعه رجال من بني هاشم وآل أبي طالب، وآل العباس، دعى إلى نفسه منذ سنة 126هـ/743م، وأظهر دعوته في أيام أبي العباس السفاح، فلما ولي أبو جعفر المنصور جدّ في طلبه، وجدّ هو في أمره إلى أن ظهر، فقتله المنصور. للمزيد ينظر: المصدر نفسه، ص206–262.
[3] الطبري، تاريخ، 8/15. وينظر: اليعقوبي، تاريخ، 3/110–114.
[4] المصدر نفسه، 8/16–17.
[5] ابن الحسن بن علي بن أبي طالب شيخ بني هاشم، والمقدم فيهم، وصاحب فضل وعلم وكرم وكان المنصور قد طلب ولديه محمداً  وإبراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن واخوته، وجماعة من أهل بيته بالمدينة، ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس.
للمزيد ينظر: الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص166؛ المسعودي، مروج الذهب، 3/237–238.
[6] المسعودي، مروج الذهب، 3/238.
[7] أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكوفي، أصله من بلاد الري رأى أنس بن مالك وحفظ عنه، روى عنه خلق كثير، وصف بالمصحف من صدقه. تقع عواليه في صحيح البخاري وفي جزء ابن عرفة، وابن الفرات. كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح. توفي سنة 148هـ/765م. الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/116.
[8] الخوارزمي، المناقب، ص284–285. وباختلاف بسيط في اللفظ: ابن المغازلي، مناقب الإمام علي، ص155.
[9] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/38.
[10] ابن قيس، كتاب سليم، ص319؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/38.
[11] ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/40.
[12] المصدر نفسه، 11/40.
[13] الذهبي، سير أعلام، 4/447.
[14] المغازلي، مناقب علي، ص154، وينظر: كلام اخت المحدث الزهري واتهامها له بأخذ جوائز بني أمية وكتمان فضائل آل محمد. ابن عساكر، تاريخ دمشق، 45/172.
ومما يجدر ذكره أن النص الآنف الذكر يبين أن الزهري لم يحدث بفضائل الإمام علي إلاّ في وقت مرضه الذي ربما ظن أنه يؤدي به إلى الموت فلا ضرر ولا خسارة إذا ما حدث بما حدث ويقودنا ذلك إلى ما أثاره الكاتب القدير باسم الحلي من إشكال يرد في سلوك عدد من خصوم الإمام علي الذين عرفوا بعدائهم له، أو على الأقل انحرافهم عن تأييده واعتزاله ومع ذلك يؤثر لهم أحاديث في فضله ومناقبه، وقد فسّره بنظرية (الثابت والمتحول) من سلوكهم وفقاً لعوامل تاريخية، وظروف شخصية، وأوضاع فردية لكل واحد منهم وإن اشترك الجميع في أصل مبدأ الخصومة، ومتى ما صار تقريظ علي ليس له–كما ظنوا–أي تأثير على عملية الصراع.
لمزيد من تفاصيل هذا الرأي ينظر: سنة الرسول المصطفى، ص699–701.
[15] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 106-110.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3004 Seconds