مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة العشرون: كاشفية قوله لمالك: «واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ» عن الملازمة بين خُلق النبوة والإمامة وتنمية مهارات القيادة.

مقالات وبحوث

مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة العشرون: كاشفية قوله لمالك: «واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ» عن الملازمة بين خُلق النبوة والإمامة وتنمية مهارات القيادة.

132 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 03-04-2025

بقلم: السيد نبيل الحسني.

تناولنا في المقال السابق دلالة الأمر الأخير مما أمّر به أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر عِبْر العهد الشريف ،  وهو الأمر بالاَجتهاد بأتباع ما تضمنه العهد، فيقول له:
«وتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا، واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ».

وبينا معنى الاجتهاد واثره في تنمية الذات، وفي هذا المقال نتوقف عند قوله (عليه السلام): «واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ» وكاشفيته عن بعض الأمور المتعلقة بالإمامة، فضلا عن بيانه لأحد الأدوات المهمة في تنمية مهارات القيادة، وهي على النحو الآتي:

1ـ كاشفيته عن خصائص الإمامة.
إنّ من خصائص الإمام المجعول من الله تعالى في هذا المنصب، أن يكون في سجاياها كرسول الله (صلى الله عليه واله) ولاسيما في رحمته ورأفته بالمؤمنين.
ومن ثم: حينما يحرص أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان تكاليفه الشرعية في الإمامة وأنه سيقف بين يدي الله تعالى ويدي رسوله (صلى الله عليه وآله) ويبين لهما الوثائق فيما أداه من تكاليف شرعية في الأمة، فيقول: «واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ»،  فهو في نفس الوقت لا يترك مواليه وشيعته دون بيانه لما ينجيهم، ويوقوا به أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك تمسكا بقوله قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[1].
ولذلك: نجده (عليه الصلاة والسلام) يلازم بين أمره لمالك بأن يجتهد في أتباع ما عهد إليه، قائلا له: «وتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ»، وبين تكاليفه في الإمامة على الناس، «مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي». فيجعل الملازمة بين اللفظين لبيان تكاليف الإمامة.  
ومن ثمّ تكشف تلك الملازمة بين «نفسك» و«نفسي» عن خصائص الإمامة والوصاية والخلافة المجعولة من الله تعالى على الناس؛ فكان أحد مصاديق حديث المنزلة المتواتر لدى الفريقين، ، أي قوله: (صلى الله عليه وآله):
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لانبي بعدي»[2]، وبلفظ: «آما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي»[3].

 2ـ كاشفيته عن الملازمة بين خلق النبوة والإمامة.
فمثلما كان النبي (صلى الله عليه وآله) {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[4] كذاك تقتضي الإمامة المجعولة من الله تعالى أن يكون الإمام بالمؤمنين رؤوف رحيم، ولذا: نجده (عليه الصلاة والسلام) يختم العهد بهذه الكلمات من الدعاء لنفسه ويشرك مالكا معه، فيقول:
«وأَنَا أَسْأَلُ اللَّه بِسَعَةِ رَحْمَتِه، وعَظِيمِ قُدْرَتِه عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَنِي وإِيَّاكَ لِمَا فِيه رِضَاه، مِنَ الإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْه وإِلَى خَلْقِه، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ، وجَمِيلِ الأَثَرِ فِي الْبِلَادِ، وتَمَامِ النِّعْمَةِ، وتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ، وأَنْ يَخْتِمَ لِي ولَكَ بِالسَّعَادَةِ والشَّهَادَةِ، {إِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ}، والسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْه وآلِه وسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً، والسَّلَامُ».

3ـ تنمية مهارات القيادة.
مما لا ريب فيه أن العهد الشريف لمالك الاشتر هو بمجملة منهاجا متكاملا في تنمية مهارات القيادة وصناعة الإنسان القائد، وذلك عبر الأوامر النواهي التي اشتمل عليها العهد، ولاسيما بيانه (عليه السلام) عن الملازمة بين القائد والمقود، والإمام والمأموم، والوالي والرعية، فمثلما يراد من المتلقي للأمر النهي الامتثال، فأنه يراد من الآمر والناهي الامتثال أيضا لما كلف به من مهام القيادة.

ومن ثمّ فإن من أهم مهارات القيادة وتنمية نفسية القائد وتطوير قدراته هو أدراكه للملازمة بينه وبين من يكون في عهدته، وأنهما مسؤولان عن الأمر والنهي في الدنيا والآخرة، وهذا يجري في جميع مفاصل الحياة ولا ينحصر في الولاة وإنْ كان العهد الشريف مختص بمهام الولاية على الناس والآمرة عليهم[5].

الهوامش:
[1] التحريم:6
[2] الهداية، الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى: ص157
[3] صحيح مسلم، باب: من فضائل علي عليه السلام، ج7 ص120
[4]  وهو قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
[5] لمزيد من الإطلاع ، ينظر : فقه صناعة الإنسان ، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر(رحمه الله) ، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق ، السيد نبيل الحسني، ص188- 190/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة ، ط دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3770 Seconds
BESbswy