من عوامل اصلاح الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه): الحلقة الأولى: منهاج الإمام علي عليه السلام في إصلاح الرعية

مقالات وبحوث

من عوامل اصلاح الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه): الحلقة الأولى: منهاج الإمام علي عليه السلام في إصلاح الرعية

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-03-2022

بقلم: د. عبد الزهرة جاسم الخفاجي

الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر لله شكر الذاكرين، والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد.

وبعد:
فقد تناولنا في المقالات السابقة منهاج الإمام علي عليه السلام في إصلاح الحاكم وفي المحور الثاني من الإصلاح سنتناول بيان منهاجه عليه السلام في إصلاح الرعية.

الإصلاح لغةً:
«إصلاح مشتق من الفعل أصْلَحَ صَلَّحَ  صَلُحَ... والإِصلاح نقيض الإِفساد... وأَصْلَح الشيءَ بعد فساده أَقامه»[1] وأَصْلَحه: «ضِدّ أَفْسَدَه وقد أَصْلَحَ الشِّيْءَ بعدَ فَساده»[2] وفي معجم مقاييس اللغة: «استَصلَحَ الشيء ضِدَّ استَفْسَدَ»[3] وجاء في مختار الصحاح: «أصلَحَ: أعادَ شيئاً إلى حالة حسنة وأزال ما فيه من فساد»[4]. والإصلاح هو الإتيان بالصلاح كما قال صاحب المصباح المنير: « أَصْلَحَ: أتى بالصَلاح وهو الخير والصواب»[5].
    يتبين مما سبق ذكره من تعريفات (للإصلاح) أنه يعني من الناحية اللغوية إزالة الفساد.

الإصلاح اصطلاحاً:
يختلف معنى الإصلاح باختلاف مورد مادة (أصْلَحَ) في القرآن الكريم؛ فقد ذَكَرَتْ التفاسير تعريفات للإصلاح حسب المقام الذي ذُكِرتْ فيه، فورد بمعانٍ عدة، منها: محو التباغض بين المتخاصِمين:
من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[6].
وما يقابل الفساد كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[7].

وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾[8].
ومايقابل السيئة كقوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[9].

وتوفيق الله لعباده لعمل الصَّالحات من ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾[10]، وقوله:﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾[11].
كما عرَّفَه صاحب مجالس التذكير بأنه: «إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من فساد»[12] وفي روح المعاني: «انه الإستقامة على التوبة ولعله مُندرِجٌ على التوبة ومكمل لها»[13].
يتبين من التعريفات السابقة ان اللغويين عرفوا الإصلاح بنقيضه على قاعدة تعريف الشيء بضده كما في قول المتنبي[14]:

«وَنَذِيْمُـهم وبِهم عرفـنا فَضـْلَهُ                        وَبــِضِــدِّهــا تـتــميـَّزُ الأشـــيـاء»
وفي الوقت الذي لا يحتاج فيه الإفساد إلى مجهود كبير وكثرة في التفكير؛ فإن الإصلاح يتطلب جهدا كبيرا وتفكيراً عميقأً وإعداداً يعتمد على حجم الإصلاح المراد إجراءه. وبناءً على ذلك فإنّ سهولة الإفساد يقابلها صعوبة الإصلاح.  
والصلاح والإصلاح يشتركان بإزالة الفساد وكلاهما يحقق للإنسان مرضاة الله تعالى، والصلاح يعني تحقيق الاستقامة في ذات الشخص، في حين إنّ الإصلاح يتعدى صلاح نفسه إلى غيره إذ إن الهمزة فيه للتعدية إلى مفعول واحد والأصل صَلُحَ اللازم. ويمكن القول: لا إصلاح بدون صلاح، وبدون العودة إلى الذات وبدون تغيير ما بالنفوس فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[15]

الرعية:
تعريف الرعية لغة: «أصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بجذب العدو عنه ثم جعل للحفظ والسياسة كما في قوله تعالى: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾[16].
أي ما حافظوا عليها حق المحافظة»[17] والرعية: «العامة»[18] وفي المصباح المنير الرعية: «عامة الناس الذين عليهم راع يدير أمرهم ويرعى مصالحهم»[19] الرعي يعني: «حفظ الغير لمصلحة»[20]  
ومن ذلك فإن الرعية «كل من شمله حفظ الراعي ونظره»[21]. فالناس راع وهو السائس ومرعي وهو المسوس.
وبعد أنْ تعرفنا على منهج الإمام علي (عليه السلام) في الوصول بـ (الراعي) إلى مستوى الصلاح نعرّج على الطرف الثاني في العملية الإدارية وهم (الرعية) فقد كان الإمام علي (عليه السلام) يسعى لبناء مجتمع متكامل يرتقي إلى مستويات متقدمة من الرفاهية والنزاهة والأمان بتطبيق الصيغة الإسلامية الصحيحة وهو في اهتمامه بالرعية إنما يستمد ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يضع الاهتمام بالناس بمستوى إداء الفرائض فيقول: «أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض»[22].
وقد كان منهج الإمام علي (عليه السلام) في إصلاح الرعية يقوم على ثنائية (الواجبات والحقوق) أي تعريف رعيته بما عليهم من واجبات وبيان مالهم من حقوق على رعاتهم ضمن دائرة الشرع وفي إطار مصلحة الوطن والمواطن فيقول (عليه السلام): «أيَّها الناس إنّ لي عليكم حقاً، ولكم عليَّ حق، فأما حقكم علي النصيحة لكم وتوفير فيئكم وكفايتكم فليس من حق الحاكم أنْ ينام ليلته وفي وطنه معوز واحد، وعلي تعليمكم كي لا تجهلوا، أمّا حقي عليكم الطاعة حين آمركم والوفاء لي ولوطنكم»[23].
ومن الجدير بالذكر في هذا الموقف، إنّ الإمام علياً (عليه السلام) قد سبق وبقرون عديدة الأمم التي ما فتئت تكيل الاتهام للإسلام، وتصفه بالتخلف التي تبهرنا بحضارتها، فهي لم تكن تعي دور الرعية في الإصلاح فعلى سبيل المثل لا الحصر يقول غوستاف لوبون (1841 م - 1931م)[24] إنّ الجماعة (الرعية) لم تكن صاحبة الدور الفاعل في رسم الأحداث التاريخية «ولم يكن لرأي الجموع وزن يُذكر بل لم يكن له قيمة في الغالب»[25] ويعزو رسم الأحداث إلى ما يدور بين ملوكها ولكن مع تطور الزمن تبدل الأمر؛ فصارت «الغلبة لصوت الجماعات فهو الذي يرسم للملوك خططهم»[26] مما يشير إلى فهم متأخر لدور الرعية في إحداث الإصلاح، في حين أن  ماورد في عهد الامام علي (عليه السلام) يؤكد على أهمية دور الرعية في صناعة الأحداث فأولاه اهتماماً)[27].

الهوامش:
[1]  لسان العرب، 27/2479.
[2]  تاج العروس، 6/548.
[3]  معجم مقاييس اللغة، ص303.
[4]  مختار الصحاح، ص37.
[5]  الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت770هـ) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مصر، مكتبة محمد عبد الواحد بك ط1، 1322هـ، ص132.
[6]  البقرة: 224.
[7]  الأعراف: 56.
[8]  يونس: 81.
[9]  التوبة: 102.
[10]  الأحزاب: 71.
[11]  محمد: 5
[12]  ابن باديس، عبد الحميد محمد الصنهاجي (ت1359هـ) في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، تحقيق: احمد شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1-1416هـ، ص73.
[13]  روح المعاني 7/482.
[14]  البرقوقي، عبد الرحمن (ت 1944هـ) شرح ديوان المتنبي، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص119.
[15] الرعد: 11.
[16]  الحديد: 27.
[17]  تاج العروس 28/ 165.
[18]  مختار ص 128؛ لسان العرب 17/167.
[19]  المصباح المنير ص356.
[20]  الكليات ص484.
[21] لسان العرب 17/1678.
[22]  الكافي: الكليني، محمد بن يعقوب (ت329 هـ) أصول الكافي، بيروت، منشورات الفجر، ط1-2007م، 2 / 117.
[23]  شرح نهج البلاغة، 2/189 -190.
[24] هو طبيب ومؤرخ فرنسي، عمل في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا، وعني بالحضارة الشرقية. من أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند.
[25]  لوبون، غوستاف (ت 1931م) روح الاجتماع، ترجمة: أحمد فتحي زغلول، مصر-دار الجماهير، 1909م، ص 12.
[26]  م.ن.
[27] لمزيد من الاطلاع ينظر: صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه: للدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص69 – 77.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2797 Seconds