بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قوله عليه السلام: ((ضخم البلعوم))
نقل ابن الأثير وغيره حَدِيثَ الإمام علي(عليه السلام) ((لَا يَذْهَبُ أمرُ هَذِهِ الأمَّة إلاَّ عَلى رَجُل واسِع السُّرْم[1] ضَخْم البُلْعُوم))[2]. ونظير هذا الحديث ورد في نهج البلاغة قوله (عليه السلام): ((أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد...))[3].
التركيب الغريب الذي ورد في قوله (ضَخْم البُلْعُوم). وعند الرجوع الى المعجمات نجد معنى: البُلْعُم والبُلْعومُ: باطِن العُنُقِ كُلُّه وهو مَجْرى الطَّعَامِ فِي الحَلْق وَهُوَ المَريءُ[4]، والأصح من ذلك هو: مَجْرى الطَّعَامِ والشَّرَابِ فِي الحَلْق وَهُوَ المَريءُ كَمَا ذَكَرَهُ الْزَبِيدِي[5].وَقَدْ((تُحْذَفُ الْوَاوُ، فَيُقَالُ: بُلْعُمٌ، مِثْلُ الْعُسْلُوجُ، وَالْعُسْلُجُ)) [6]. وضَخْمُ الْبُلْعُومِ، أي: واسع البُلْعُوم، وكذلك رَحْبُ البُلْعُومِ، كما يقال: رحب الرَّاحَة يُرِيد أَنه وَاسع الرَّاحَة [7] وَقالوا البَلعم: هو (الرَّجُل الأَكُول الشَّدِيد البَلْعِ) للطَّعام[8]، لكن الإمام لم يقصد هذا المعنى الظاهري، بل جاء التركيب في النص كناية عن كثرة التَّبْذير والإسراف في الأمْوال والدِّماء فوصفه بسَعة المَدْخَل وتمدده[9]، فالغرابة ليست في الفاظ التركيب، وإنما الغرابة في استعمال التركيب، أي: يُريد به رجُلا عَظِيمًا شَدِيدًا، أَوْ مُسْرفاً فِي الأمْوال والدِّماء[10].
الهوامش:
[1] السُرْمُ: الدُبرُ، والجَمْع: أَسْرام. لسان العرب: (سرم)12/286، تاج العروس: (س ر م)32/362.
[2] مقاتل الطالبيين: 44، نثر الدر في المحاضرات منصور بن الحسين الرازي(ت421هـ): تح، خالد عبد الغني محفوظ: 1/211، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/152،2/362، نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 8/257، لسان العرب: 12/55، 186، ، بحار الانوار: 44/60، تاج العروس: 31/304، 32/362، أعيان الشيعة : 7/ 263، غريب الحديث في بحار الأنوار: 2/220.
[3] نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 4/54، غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/178.
[4] ينظر: لسان العرب: (بلعم)12/55.
[5] ينظر: تاج العروس: ( ب ل ع م) 31/304.
[6] الدلائل في غريب الحديث والأثر: 2/552.
[7] ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة: 1/481،501، وجمهرة اللغة: (رحب)1/276، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/207.
[8] ينظر: تاج العروس: (بلعم)31/305.
[9] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/362.
[10] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص73-74.