بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فإن من العوامل المذهبية التي أثرت في رواية فضائل الإمام علي عليه السلام هو تعرض الرواة للضرب والسجن فمن الشواهد على ذلك ما جرى على أبي بكر الطائي وأصحابه. قال سليمان بن زير: اجتمعت أنا وعشرة من المشايخ في جامع دمشق فيهم أبو بكر ابن أحمد بن سعيد الطائي فقرأنا فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوثب علينا قريب من مئة يضربوننا ويسحبوننا إلى الوالي، فقال لهم أبو بكر الطائي: ياسادة استمعوا لنا إنما قرأنا اليوم فضائل عليّ وغداً نقرأ فضائل أمير المؤمنين معاوية، وقد حضرتني أبيات فإن رأيتم أن تسمعوها، فقالوا له: هاتِ، فقال بديها:
حبُّ عليّ كلّهُ ضربُ يرجف من خيفته القلب
ومذهبي حبُّ إمام الهدى يزيد والدّين هو النَّصب
مَنْ غيرَ هذا قال فهو امرؤ ليس له عقلٌ ولا لبُّ
والناس مَن يَنْقَدْ لأهوائهم يسلم وإلاّ فالقضا نهبُ
قال: فخلّوا عنا...[1].
ويبدو أن هذا العامل وهو (التهديد المجتمعي) من جهة، وإتهام رواة الفضائل بالمغالاة والكذب الذي يولد العزوف عن الأخذ عنهم، أو التتلمذ على أيديهم، ويُسقط وثاقتهم العلمية من جهة أخرى، قد أدى ببعض المحدثين إلى مسايرة ذلك الاتجاه الضاغط فامتنع عن التحديث مثل وكيع بن الجراح (ت197هـ/812م)[2] الذي سمع يحيى بن معين (ت233هـ/847م) بعزوفه عن التحديث بفضائل الإمام علي (عليه السلام) زماناً فسأله: ((لمَ لا تُحدث بها؟ فقال أن الناس يحملون علينا فيها...))[3].
ومن ذلك التحامل اتهامه بالرفض مرة[4] والتشيع مرة، لأنه كوفي يُقدّم علياً على عثمان في الفضل[5])[6].
الهوامش:
[1] الصفدي، تمام المتون، ص251–252؛ الشيخ الأميني، موسوعة الغدير، 7/201.
[2] ابن مليح بن عدي الرؤاسي الكوفي، ولد سنة 129هـ/746م وسمع من هشام بن عروة وسليمان الأعمش، وابن جريج وغيرهم كثير، كان من بحور العلم وأئمة الحفظ، حدّث عنه سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك وأحمد وابن معين وبنو أبي شيبة وأمم سواهم، وكان من حُفّاظ الحديث مفتياً بقول أبي حنيفة وكان قد سمع منه كثيراً، توفي سنة 197هـ/812م وقيل 196هـ/811م راجعاً من الحج. الذهبي، سير أعلام النبلاء، 6/430–442.
[3] تاريخ ابن معين، 1/320، الحلي، سنة الرسول، ص421.
[4] رأى يحيى بن معين عند مروان بن معاوية لوحاً فيه أسماء شيوخ: ((فلان رافضي، وفلان كذا، ووكيع رافضي)). الذهبي، سير أعلام النبلاء، 6/436. وهذا يدل على تسقيط الرواة لمجرد روايتهم ما لا يتلائم مع مزاج هؤلاء المحدثين وعقائدهم.
[5] وردت هذه التهمة على لسان الذهبي فقال: ((والظاهر أن وكيعاً فيه تشيّع يسير، لا يضرّ إن شاء الله، فإنه كوفيّ في الجملة، وقد صنف كتاب فضائل الصحابة، سمعناه قدّم فيه باب مناقب علي على مناقب عثمان)). المصدر نفسه، 6/437.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 127- 129.